ملوك الطوائف والسبيل الأمثل لمواجهتهم

ملوك الطوائف هو مصطلح يتعلق بفترة تاريخية في الأندلس؛ بدأت عام 422هـ، عندما أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور سقوط الدولة الأمويةهناك، وهو ما شجع أمراء الأندلس على بناء دويلات منفصلة، وهنا نشأ ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى 22 دويلة.

ويقول التاريخ إن هذه الدويلات ورثت ثراء الخلافة، لكن شابها عدم استقرار الحكم، والتناحر المستمر فيما بينها، وهما سببان رئيسيان في جعلها فريسة لمسيحيي الشمال، وهو ما أوصل إلى أن يدفع ملوك الطوائف الجزية للملك ألفونسو السادس، وكانوا أيضًا يستعينون به على بعضهم البعض.

ولا شك أن هناك قاعدة استعمارية شهيرة تقول “فرّق تسد”، وهي سنّة استعمارية تحافظ عليها وتتبعها جميع الإمبراطوريات الاستعمارية.

وإذا ما اجتمعت الفرقة والتناحر مع شهوة الحكم والسلطة، فإن الاستعمار يكون قد حصل على أكثر مما يحلم به لحفظ مصالحه وبسط هيمنته بأقل كلفة وأفضل محصلة.

الناظر إلى الوطن العربي والذي كان يحلم يومًا بالوحدة والقضاء على النزعات القطرية، بات يرى تدرجًا حثيثًا نحو الهاوية، بدءًا من تعظيم المصلحة القطرية وظهور النعرات الفرعونية والفينيقية والأمازيغية، مرورًا بالنعرات الطائفية والدينية، والتي غذتها أبواق الاستعمار والوهابية، وصولًا إلى تقسيم هذه الأقطار ذاتها على تلك الأسس التمييزية.

ولا شك أننا نشهد تكرارًا لحالة ملوك الطوائف على مستوى الوطن العربي ككل، وعلى مستوى الأقطار ذاتها.

فالأقطار العربية تتناحر وتستقوي بالخارج على بعضها بعضًا، والقوى السياسية الداخلية في الأقطار تستقوي على شركاء الوطن في الخارج.

ومفهوم الجزية يطبق بحذافيره، فنرى ملوك وأمراء الخليج يدفعون الجزية لأميركا ومؤخرًا للعدو الإسرائيلي بشكل معلن، مقابل حماية العروش، بينما تدفع القوى السياسية الجزية لأميركا وذيولها مقابل حمايتهم وإيصالهم إلى السلطة وتوفير الغطاء السياسي لهم.

وبينما تدفع البلدان الغنية جزيتها نقدًا عبر مليارات الدولارات، فإن البلدان الفقيرة تدفع جزيتها تفريطًا في الثوابت وخيانة لأمنها القومي لحساب أمن العدو ومصالح الاستعمار.

أما القوى السياسية المستقوية بالخارج، فهي تدفع جزيتها عبودية للخارج وخيانة لوحدة أوطانها، ولا تتورع عن التفريط وتنفيذ أوامر أسيادها بداية من حماية نفوذهم ووصولًا إلى الفتنة والحروب الأهلية، لو كان ذلك هو الأمر والتكليف!

وكما أن حالة ملوك الطوائف هي سبب لما نراه حاليًّا من انهيار للعمل العربي وانهيار في الأقطار التي تتعاظم فيها الظاهرة وعلى رأسها لبنان، فهي أيضًا نتيجة لانهيار مفهوم الأمة بعد تخليها عن المقاومة والسماح لخونتها بالقيادة وتخلي قادتها الطبيعيين عن دورهم التاريخي.

استمرت حالة ملوك الطوائف على مدى ثلاثة قرون، فهي لم تكن حالة طارئة، وتغنّى الكثيرون بالنهضة الثقافية والاقتصادية التي واكبت الحالة، إلا أن هذا لم يكن معبّرًا عن حالة نهضوية، فقد كان وراثة لثروات مغصوبة ولم توظف النهضة لحماية الأراضي ولا للوحدة، بل كانت تنافسية بين المتناحرين.

وعندما وقعت التهديدات على الأندلس ككل، خشي الملوك من الاستغاثة بالمرابطين كي لا تغريهم الحماية بانتزاع السلطة، فكانوا يفضلون السقوط الجماعي على فقد السلطة. وعندما ظهر الخطر المحدق استعانوا بالمرابطين ثم تنازعوا مجددًا على تقسيم الغنائم بعد نصر لم يكونوا هم سببًا به. وعندما صدرت الفتاوى للمرابطين من كل حدب وصوب بوجوب السيطرة على الأندلس لحمايتها من هؤلاء، حاربوا من أنقذهم دفاعًا عن شهوة السلطة إلى أن سقطوا وانتهت دولة الطوائف.

هي عبرة تاريخية تفيد بسقوط هؤلاء الحتمي، كما تبرز سلوكهم وطبيعة نفوسهم، وهي أنهم محاربون للنهاية في معركتهم الخاصة ولا سبيل معهم إلا المواجهة.

هام