د. طنوس شلهوب – خاص الناشر |
إعلان سعد الحريري الانكفاء عن النشاط السياسي هو تتويج لخروجه، والذي بدأت تظهر ملامحه مع التبدل في الإدارة السعودية وانتقال القرار الفعلي في المملكة لولي العهد محمد بن سلمان، والذي فرض استدارة حادة في سياسة المملكة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وكان قد تعزز هذا الخيار بوصول ترامب الى سدة الرئاسة الأميركية مع التعديل الذي أدخله على الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
يصعب التكهن بالوجهة التي ستترسخ في السعودية بعد وصول بايدن الى الرئاسة، ولكن من الواضح أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان والعودة الى طاولة المفاوضات مع إيران قد تركا بصمتهما على السلوك السعودي، وقد بدأت ملامح فتح أقنية مع الإيرانيين، كمقدمة للبحث عن مخارج في عدة ملفات، أبرزها اليمني والسوري واللبناني.
أنظمة الخليج مندمجة كليًّا في الاستراتيجية الأميركية للمنطقة، وما يبرز من تناقضات هي مسائل ثانوية لا تتعدى التوافق الاستراتيجي لحاجة تلك الأنظمة للأميركيين والإسرائيليين، وبالمقابل، يستفيد الأميركيون والصهاينة من هذه الأنظمة.
الرهان السعودي على سعد الحريري كحليف لبناني قادر على تلبية احتياجات الخطة السعودية الخليجية سقط منذ اللحظة التي استدعي فيها الرجل الى الرياض وتم احتجازه هناك. سمير جعجع يقدم نفسه كحليف مستعد للذهاب في التوجه السعودي الى النهاية، بما في ذلك، نحو فتنة طائفية وأعمال عنف هي أكبر من اشتباكات محلية وأصغر من حرب أهلية. السعوديون أعلنوا صراحة دعمهم لجعجع، وسيناريو الطيونة هو رسالة من جعجع الى حليفيه السعودي والأميركي.
الهدف اليوم بالنسبة للخليجيين توريط حزب الله في أعمال مسلحة داخلية كمقدمة لجعل السلاح أولوية على أي جدول أعمال له علاقة بالوضع اللبناني. المعركة لمحاصرة الدور المقاوم لسلاح حزب الله ابتدأت منذ القرار الشهير للحكومة اللبنانية والذي تسبب بأحداث ٧ أيار. نحن اليوم أمام سيناريو شديد الخطورة في ظل حصار مالي واقتصادي يهدف لوضع اللبنانيين أمام خيارين: نزع سلاح المقاومة أو الموت من الجوع.
يدرك سعد الحريري أن الذهاب في هذا الخيار هو مخاطرة مدمرة، لذا، الأفضل له كان الخروج من المشهد السياسي. جنبلاط وبري يتهيبان الوضع. هل سيكون جعجع مستعدًّا للذهاب الى النهاية حتى آخر مسيحي؟ تاريخ الرجل والمشروع يؤكد ذلك.
أما من يطلقون على أنفسهم تسمية قوى الثورة فهم بمعظمهم من جمعيات الإن جي أوز مرتبطون بأجندات الأميركي بصفته الجهة الممولة، والذين يتكلمون عن روحية ١٧ تشرين من يساريين فإنهم يعانون من مراهقة سياسية وأوهام لا علاج لها.
مجددًا، يتضح أن القوى الخارجية هي العامل المحدد في مسار الأحداث الداخلية، وأن القوى الطائفية ليست سوى أحجار شطرنج على رقعة الصراع الإقليمي والدولي.