وساطة قاآني العراقية.. هل تنجح؟

يصعب على المراقب أو المتابع للشأن العراقي التكهن بواقع العراق السياسي زائدًا الأمني وفقًا لمجريات الأحداث والتطورات السياسية في أرض تتبدل فيها المواقع من العداء إلى التوافق، والعكس صحيح.

وكأن المشاركين في العملية السياسية يسيرون في صحراء برمال متحركة، لتتبدل التوافقات والتحالفات وتكثر الانشقاقات من هنا وهناك.

الجلسة الأولى للمجلس التشريعي واختيار رئيس المجلس ونائبيه خير دليل على ذلك، فبعد الاعتداء على رئيس الجلسة، محمود المشهداني، الذي ترأس الجلسة لكونه النائب الأكبر سنًا، وبعد طرح كتلة الإطار التنسيقي على أنها الكتلة الأكبر بتواقيع 88 نائبًا مقارنة مع الكتلة الصدرية ذات الـ79 نائبًا، شهد البرلمان العراقي بلبلة وفوضى أثارهما نواب الكتلة الصدرية الذين ارتدوا الأكفان في رمزية لا تتناسب لا مع الظرف ولا مع المكان، وانتهت الأمور باعتداء على رئيس الجلسة لينقل إلى المستشفى على إثر ذلك. وعلى الرغم من أن المشهداني كان قد رفع الجلسة قبل تعرضه للضرب، استكمل النواب الصدريون مع كتل عزم والتقدم الجلسة منفردين بعد انسحاب كتلة الإطار احتجاجًا على الاعتداء على رئيس الجلسة، وعلى عجل تم انتخاب محمد الحلبوسي رئيسًا للمجلس لولاية ثانية وحاكم الزاملي (الكتلة الصدرية) وشاخوان عبد الله (الديمقراطي الكردستاتي) نائبين للرئيس، إلا أن القرار النهائي حول دستورية ما جرى لم يصدر بعد عن المحكمة الاتحادية التي تحسم نتائج انتخابات الجلسة الأولى وأصدرت قرارًا بتجميد البرلمان ريثما تبت في دعويين من قبل نائبين طعنا في قانونية الانتخابات في ظل غياب رئيس الجلسة وبعد رفعها من قبله.

هناك من رأى أنها ردة فعل على مفاجأة الإطار التنسيقي بتقديم الكتلة الأكبر، وهناك من رأى أنها مدبرة ومدروسة بهدف تمرير إعادة انتخاب الرئيس محمد الحلبوسي، ما يعني محاولة الانفراد بالقرار والتفرد بالحكم من قبل مقتدى الصدر الخارج بكفنه من العباءة الشيعية، في ظل عودة الأخوة الأعداء إلى حلف واحد وإعادة تشكيل البيت السني كوحدة جديدة، وهنا المقصود خميس خنجر ومحمد الحلبوسي وبرعاية الإمارات. وهذه الأخيرة ليست ببعيدة عن الأحداث الأمنية المتفرقة التي شهدها العراق بعيد انتخاب الحلبوسي والتي استهدفت مقرات حزبه وبعض الحلفاء إضافة إلى الاعتداء على بنك جيهان المحسوب على البرزاني، لتصور على أنها رسائل حشدية وتحذيرية. ولعل الأبرز الهجوم الصاروخي الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد، الذي نفت فصائل المقاومة مسؤوليتها عنه، في خطوة واضحة منها على أن هناك من يعبث بالأمن كما السياسة في العراق، بهدف ترجيح كفة فريق على حساب فريق آخر، تمامًا كما حصل في تزوير نتائج الانتخابات وبحبر إماراتي.

أمام هذا المشهد وجدت فصائل المقاومة والحشد الشعبي أن هناك من يسعى إلى تعميق الجرح الشيعي وزيادة الشرخ، خاصة بعد تغريدة السيد مقتدى الأخيرة حول استهداف السفارة الأميركية واتهامه لقوى المقاومة بتهديد أمن المدنيين القاطنين بجوار السفارة.

لم يعد الأمر بحدود مناوشات الصدر-المالكي، وإنما تجاوزه لأبعد من ذلك، وهو فك التحالفات بين الكتل الشيعية، ليصبح مشهد الحكومة القادمة انعكاسًا لتحالف الصدر – الحلبوسي ومعه الكتلة السنية الأكبر – التحالف الكردستاني واستبعاد الحشد والمالكي ومن معهما من كتل في الإطار التنسيقي، ونزولًا لدوائر القرار الرسمية في عملية استحواذ على القرار السياسي العراقي تحت مبدأ المكونات الذي أقره الدستور العراقي ولكن بنسب متفاوتة لا تتناسب مع الواقع التمثيلي لهذه الكتل.

والغريب أنه حتى النواب المحسوبون على حركة تشرين مدعية التغيير قد صوتوا للحلبوسي وكانوا ضمن هذا الاتفاق. لذلك بدت المشاورات واللقاءات الثنائية بين السيد هادي العامري رئيس كتلة الفتح والسيد مقتدى من جهة، ولقائه البرازاني في أربيل من جهة أخرى محاولات لإيجاد مخرج يرضي الجميع دون إقصاء أي طرف ولتفويت الفرصة على من يريد الاصطياد في الماء العكر، خاصة بعد الإشاعات عن إقصاء المالكي والتحالف بين الفتح والصدر، وهو ما تم نفيه.

من هنا قد نفهم الزيارة المفاجئة لقائد فيلق القدس الجنرال اسماعيل قاآني للعراق، وقد استهلها بزيارة مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن ثم زيارة ضريحي الشهيدين السيد محمد صادق الصدر والحاج أبو مهدي المهندس، في رمزية قد لا تخلو من رسائل سياسية تجمع ولا تفرق.

فهل ينجح الجنرال قاآني في لم الشمل الشيعي وفقًا لمقاربة ترضي كل الأطراف، أم هناك مفاجآت أخرى؟

اساسيقاآني