وليد زيتوني* – خاص الناشر |
أصبح من المؤكّد أنّ منظومة النّهب الدّوليّة، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأميركيّة، تسعى بكلّ قواها وأدواتها لجعل الدّولة اليهوديّة الغاصبة جزءًا من الإقليم الممتدّ في غربي آسيا وشمالي أفريقيا، بل وجعلها القيّمة الأساس على دوله وأراضيه وثرواته وعلى قدراته الاقتصاديّة صناعةً وزراعةً وتجارةً وخدمات، وحتى على بُناه الاجتماعيّة والثّقافيّة الحضاريّة. وهذا مضمون ما سعى إليه «شيمون بيريز» في كتابه «الشّرق الأوسط الجديد».
إن هذا المشروع أطلّ من جديد عبر شبابيك التّطبيع الّتي تنسجها بعض الأنظمة المشبوهة والدّول الكرتونيّة الّتي صنعها الغرب لهذه الغاية. فالتّطبيع القائم حاليًا على قدمٍ وساق اقتصر على الحكومات والأنظمة، ولم يستطع حتى اليوم الوصول إلى المستويات الشّعبية إلّا في ما ندر. بمعنى آخر ما زالت شعوب هذه المنطقة متسلّحة بمنطق الممانعة والرّفض، بل هناك قوى وتنظيمات وازنة على مستوى الكيانات وحتى على مستوى الإقليم انتهجت وما زالت تنتهجُ الكفاح المسلّح طريقًا وحيدًا لتحرير بلدانها من هذا العدوّ أو أيّ عدوّ غاصب آخر.
غير أنّ التّطبيع لا يتبدّى بقناعٍ واحد، وهو العلاقات الدّيبلوماسيّة، إنّما بأقنعةٍ متعدّدة منها السّياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة، وربما أخطرها على الإطلاق هو قناع التّطبيع الثّقافيّ الحضاريّ الاجتماعيّ. وليس لنا من دليل على هذا النّموذج الأخير أوضح من إنشاء «الاتّحاد الإبراهيميّ»، الهادف إلى تذويب الأديان في دينٍ جديد يقوم على أساسيّات التّلمود والتّوراة في محاولةٍ لسحق التّقاليد الإيمانيّة، وضرب البنى الفكريّة القادرة على إظهار الحقّ والدّفاع عنه بوجه الباطل المتمثّل بدولة الاغتصاب والاستيطان والقتل على طريقة الكاوبوي الأميركيّ في اغتصابه لأراضي الهنود الحمر.
نحن نعتبر أن الحركة الصّهيونيّة حركة ذات خطّة منظّمة بشكلٍ دقيق، وتحقيق هذه الخطّة جلبت على أمّتنا هذا الويل مدعومةً من الغرب الاستعماريّ وتجمّع الدّول المنتصرة في الحرب العالميّة الثّانيّة المسمّاة أمم متّحدة، وبالتّالي لا يمكن محاربتها كما يقول الزّعيم أنطون سعاده إلّا بخطّةٍ منظّمةٍ دقيقة معاكسة.
لقد مهّد الاستدمار «الاستعمار» منذ أمدية بعيدة لزرع هذا الجسد السّرطانيّ في جسد الأمة السّوريّة، فمن سايكس – بيكو إلى وعد بلفور إلى قرار التّقسيم مرورًا بالدّعم الماليّ والسّياسيّ والعسكريّ، مسارٌ طويلٌ من الرّعاية لهذا الجسم الغريب بغية نموّه وتقويته، ولعلّ آخرها محاولاته المتكرّرة لقتل الخلايا الحيّة الممانعة لهذا السّرطان عبر تدمير البنى الاجتماعيّة والمقوّمات الاقتصادية للكيانات المضادّة بهدف تركيعها وجعلها طيّعة للقبول بالمشاريع التّطبيعيّة المطروحة عليها.
التطبيع ليس مشروعًا آنيًّا، ولم يبدأ مع اللّحظات الأولى للتّبادل الدّيبلوماسيّ بين الكيان الغاصب والكيانات المصطنعة لهذه الغاية، بل بدأ مع التّقسيمات السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة لأمّتنا، ومع التّربية الكيانيّة ومع المناهج التّعليميّة الوافدة، وتقدّم مع انتشار الإعلام المرئيّ والمسموع ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، المسيطر عليها بشكلٍ مباشر من قبل الدّول الكبرى الّتي تساند الدّولة اليهوديّة الزّائلة. التّطبيع بدأ مع فقداننا لهويّتنا الحقيقيّة، ولغتنا الحقيقيّة وثقافتنا الحقيقيّة. التّطبيع بدأ يوم تخلّينا عن ساحات الجهاد لاستعادة أرضنا، يوم تخلّينا عن البندقيّة لصالح التّرف الماديّ والمعنويّ والأنانيّات والمصالح الفرديّة، يوم تخلّينا عن القوّة في إحقاق حقّنا وهي القول الفصل، ويوم سمحنا لرأس مالنا القوميّ أن يرتبط برأس المال الأجنبيّ ويصبح خاضعًا له، ويوم تخلّينا عن سيادتنا المدعومة بقوّتنا واتكأنا على المعاهدات الدّوليّة والاتّفاقيّات الدّوليّة والقرارات الدّوليّة من دون النّظر إلى تأثيرها على مستقبلنا ومستقبل أجيالنا.
ختامًا، لا يكفي أن نلعن الظّلام بل أن نضيء ولو شمعة في هذا الزّمن السّيئ، ولا يكفي أن نلعن العدوّ بل أن نطلق رصاصة، ولا نلعن الجهل بل علينا التّقدّم في سبيل العلم. علينا أن نراكم تجارب المقاومة والعمل على توحيدها في الإطار الاستراتيجيّ، عسكريًّا، سياسيًّا، اقتصاديًّا وعلميًّا.
نمتلك الرؤية، نمتلك الإرادة وسنمتلك القوّة اللّازمة لإسقاط آخر قلاع الاستدمار.
*رئيس المؤتمر القوميّ في الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ