عندما تمشي في شوارع بيروت تنصدم بأمر غريب لم تكن تتوقعه أبدًا، حيث إنك تمشي وتسمع أكثر اللبنانيين يتحدثون بلغة غريبة لا هي لغة عربية إذا قلنا إنهم من العرب ولا هي لغة فينيقية من حضارتهم القديمة، إن أردنا القول إنهم فينيقيون. غريب، ما هي هذه اللغة؟!
عندما تتوجه الى دوائر الدولة وقبل أن تطأ قدماك المبنى ترى رجلًا يحرس الدائرة الرسمية بزي غريب أيضًا، فلا يرتدي شروالًا لبنانيًّا قديمًا ولا طربوشًا عربيًّا (من أصل تركي)، إنما ملابس لم تعرفها من قبل. والأغرب هو عند دخولك الى الدائرة تلك لطلب أوراق رسمية، هنا الصدمة، حيث سترى أن الخط هو عربي مائل قليلًا وفيه أحرف أخرى غريبة. وهنا تجد نفسك في حيرة من أمرك، فهذه اللغة لا هي لغة عربية ولا هو مكتوب باللغة الانكليزية أو الفرنسية. ترى كيف ستقرأها وأنت لا تعرف شيئًا عنها؟!
وكذلك المدارس والمستشفيات، وحتى الأسواق كلها قد تغيرت، ولم يبقَ لدينا سوى وسائل الإعلام لنكتب فيها اللغة العربية. وربما بعد فترة ستجد حتى قراءة الأخبار والمسلسلات أصبحت بنفس اللغة التي يتحدث بها قسم كبير من الناس في الشوارع، وهي نفسها اللغة التي يتم تداولها في المعاملات الرسمية.
اللافت بين كل هذا أنك حين تبحث عن أكلة طيبة أو طعام شهي من البديهي أن تلجأ الى المطاعم اللبنانية، وما ينتجه هذا المطبخ من ثقافة طعام تكاد تكون الأولى عالميًّا، تبدأ من الفتوش والتبولة وتطلب اللائحة الغنية بأشهى الأطباق وألذها من ورق العنب واللحمة المدقوقة، وهي أكلات لبنانية تصنف في غاية الشهرة عالميًّا، وحتى أنك إذا أردت أن تتناول الفطور فأنت لا تستغني عن المنقوشة. ولكن المفاجأة أننا لا نجد كل هذا. أين ذهبت هذه الوجبات وثقافة المطبخ اللبناني؟ ولمَ تحولت الى أرز وكباب وقليل من الزعفران؟ غريب، ماذا يحدث في لبنان؟!
هل هذا صحيح؟ هل شاهدتم كل هذا وسمعتم بكل هذا أم هي إشاعة ذاعت وصدقها حتى مطلقوها أو أنكم لم تصلكم الأخبار؟ نعم يا سادة، فلقد ورد في الأخبار ويتداول كثيرًا بين الناس ويتحدث به بعض النخب قبل العامة من أفراد وساسة أن هناك احتلالًا إيرانيًّا!
هل فعلًا حدث كل ما تقدم في بداية المقال؟ هل شاهدتم هذا على أرض الواقع؟
يا سادة، هل تعلمون ما هو الاحتلال؟ وما هو المعنى الحقيقي له حين تستخدمون تلك المفردات؟ هل كلفتم أنفسكم عناء البحث بين معاجم اللغة وقواميسها؟ فلعل البعض غافل عن معناها أو غير مدقق بما ينطق، فالاحتلال مصطلحًا هو دخول البلاد والاستيلاء على أراضيها قهرًا وغزوًا، كما في كل قصص الأمم البائدة والسائدة، كما في فلسطين واليمن والعراق وسوريا وجزء من جنوب لبنان. هذا هو المعنى لغويًّا يا أهل الخير، وهذا ما لا يمكن تحريفه ولو أنفقت المليارات في محاولة كيّ الوعي وتبرير وجود الاحتلال الغربي بذريعة محاربة الإرهاب أو نشر الديموقراطيات أو مساعدة الدول في إنماء وتطوير ذاتها وقدراتها.
ألا يكفي ما يحدث في هذا البلد المسلوب خيره من فاسديه من أزمات ومصائب؟ ألا يكفي ما يعيشه المواطن اللبناني من توتر وقهر وهدر لأبسط حقوقه في الحياة؟ الى متى يجهّل الفاعل وأنتم تدورون ف نفس الدائرة وتسلط الأضواء على أمور تختلق وتخفى عما فعلته تلك الزمرة الحاكمة ومحاولة قلب الموازين في كل مرة وعند كل استحقاق؟
من الغريب ما يحدث وخصوصًا أنكم أنتم، مع ما لكم من باع كبير في السياسة وعالم السياسة، وبعد كل هذا لا تعلمون أن الموازين والمتغيرات هي سنن وأن لكل شيء نهاية، وإن استطعتم اليوم إخفاء ما أفسدتموه، وكذلك طمس الحقائق، وتعاملتم باستعلاء ونكران وجحود ضد أبناء بلدكم وشركائكم في الوطن وسرقتم ونهبتم وأخفيتم ما فعلتم، فإلى حين. وفي النهاية إشارة صغيرة هنا ولعل العقول تعي والعين تبصر: هل شاهدتم ماذا حصل لصدام؟ وهل شاهدتم الخروج الأميركي من أفغانستان؟.