مبارك بيضون – خاص الناشر |
عملية التطبيع تشبه “الزواج بالإكراه”، فما من دولة بدأت عملية التطبيع مع “إسرائيل” إلّا ودخلت في نزاع مع شعبها، بالرغم من محاولات الأنظمة في تلك الدول فرض أمر واقع على العلاقات، ولكنها لم تُثمر أي نتائج سوى تبادل للقنصليات والمكاتب التجارية ورفع الأعلام فيما بينها.
فمنذ أن انطلقت أول معاهدة سلام مع جمهورية مصر العربية وما سمّي بـ”كامب دايفد” عام 1978، مرورًا باتفاقية “أوسلو” عام 1993 مع السلطة الفلسطينية، وصولًا إلى اتفاقية “وادي عربة” عام 1994 مع المملكة الأردنية، لم يألُ القادة العرب جهدًا لتسويق اتفاقيات التطبيع الجديدة، التي عقدتها كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة البحرينية والجمهورية السودانية والمملكة المغربية، مع الكيان الغاصب، ووضعها في سياق مصطنع، لربطها بمبادرة الملك عبد الله للسلام التي تقوم على حل الدولتين، والتي أطلقت في قمة بيروت عام 2002، إذ نسفت اللاءات الثلاثة لقمة الخرطوم عام 1967 (لا صلح- لا اعتراف- لا تفاوض)، عبر اعترافها “بالكيان الإسرائيلي” كدولة قائمة على حدود العام 1967.
تحاول الأنظمة القيام بعملية تطبيع بين الشعوب، ولكنّها لم تفلح حتى تاريخه، بسبب التاريخ المشبّع بالدم والإجرام والاغتيالات، وما زالت المخاوف تنتاب الزوار بين البلاد المطبعة والكيان، وما زالت القوى الأمنية تحمي الوفود “الإسرائيلية” الزائرة، إمّا بهدف السياحة أو إقامة المهرجانات الفنية والمعارض التجارية، والتي تُقام بعد أن تُضرب حولها حماية أمنية مشدّدة، مما يظهر مخاوف استمرّت منذ أن أُعلن ذلك التطبيع.
تحاول هذه الدول، ومن خلال إعلان التطبيع، إما مواجهة خطر وهمي يدعى التمدّد الفارسي، أو تعزيز المكاسب الاقتصادية في ظل الأزمات المتتالية والانهيارات المالية والإفلاسات، أو تحصين العروش، عبر دفع الجزية المقدّرة بالاعتراف بالكيان “الإسرائيلي” على حساب تصفية القضية الفلسطينية.
ولكن يبقى الهدف الأهم لهذه الأنظمة، هو محاولة الدخول في تسويات المنطقة، عبر الالتحاق بأحد المشاريع، لتشكيل المظلة الحيوية للاستمرار والبقاء في ظل المتغيّرات المتسارعة في العالم العربي، ومحاولة لحجز دور في الخطة الأميركية، لتقسيم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، عبر رسم خطوط صراع جديدة، تلحظ الشرق الأقصى كبؤرة أولى للصراع، وذلك من خلال التهدئة وربط النزاع في منطقة غرب آسيا.