لم نسأل يومًا ما هو دينها أو إلى أي مذهب تنتمي. وهي أيضًا كانت بعيدة كل البُعد عن التلوث بأي لعبة دينية أو مذهبية خبيثة لم نرها إلاّ مع الحق بل سيدة الحق.
أتذكرها تمامًا في منتصف السبعينيات عندما كانت تطل من على شاشة تلفزيون لبنان، وهي في العشرينيات من العمر، تربط فقرات البرامج وتقدم بعض الإطلالات الناعمة التي تثبت من خلالها ثقافتها وحضورها، إلى أن غابت فجأةً عن الشاشة الصغيرة عندما اشتدت رحى الحرب الأهلية المؤلمة في بلدنا الصغير. بعد ذلك كتبت عنها الصحف أنها تزوجت الملازم في قوى الأمن الداخلي علي الحاج، وقررت الابتعاد عن الأضواء والإعلام. ولكنها عادت وبقوة عام ٢٠٠٦ تزأر كاللبوة دفاعًا عن الحق وأهله وعن المظلومين وتعلن حربًا لا هوادة فيها على كل مَن زوّرَ وحرَفَ التحقيق بمقتل الحريري وعلى كل لصوص المعبد من كبارهم إلى صيصانهم.
تحولت سمر الحاج منذ اعتقال اللواء علي الحاج واتهامه مع ثلاثة ضباط آخرين بمقتل الحريري إلى وكالة أنباء كاملة وإلى فضائية ومنصة صحافية وإذاعية وحدها، تكشف الحقائق أمام الملأ، وترد على المنتفعين من مقتل الحريري كجنبلاط والحريري والقاضي ميرزا والصدّيق ومروان حماده، وباتت كل وسائل الإعلام تأخذ منها الحقائق والفضائح دون ملل أو ضعف أو جُبُن، حتى شعرنا كلنا أن السلطة وزبانيتها كلهم في مكان وسمر الحاج وحدها في الجبهة الأخرى تقاتل وتدافع وتتهم وتكشف حقائق بل تتحدى بصوت مجلجل ومزلزل.
لقد اكتشفنا معها المرأة اللبنانية الحقيقية، والزوجة المقاتلة لتثبت براءة زوجها، والسيدة التي استعادت موقعها الإعلامي وسخرته لخدمة الحق وأهله. ومَن يدري ربما قضاة المحكمة الدولية استندوا إلى الكثير مما كانت تعلنه حتى أصدروا حكم البراءة بحق الضباط الأربعة فاستعادوا حريتهم أبرياء كرماء شرفاء.
وبعد ذلك برزت عظمة سمر الحاج أكثر وأكثر، إذ لم تذهب إلى بيتها لترتاح بل جندت نفسها وطاقاتها وخبرتها الإعلامية في الدفاع عن المقاومة وسيدها ورجالها ونسائها وشهدائها، وكذلك فعلت عندما بدأت الحرب على سورية، حيث راحت تتنقل من شاشة إلى أخرى تدافع عن الرئيس بشار والجيش العربي السوري وعن كل مَن قاتل في سوريا ضد النفايات البشرية التي أُرسِلت إلى هناك. وهكذا كانت مع القضية الفلسطينية حيث شاركت في رحلة بحرية إلى غزة لتكون إلى جانب الشعب الصامد الصابر.
تحولت سمر الحاج بعد خروج زوجها من السجن إلى جبهة كاملة كبركان لا يهدأ دفاعًا عن الحق وأهله، فأعطتنا دروسًا عن سيدة حرة نبيلة صادقة مناضلة عربية الهوى والعشق.
سمر الحاج لن أقول لك وداعًا لأنك أصبحتِ جزءًا جميلًا خالدًا في ذاكرتنا.