عام ٢٠١٦ كنا ننفذ عملًا تلفزيونيًّا عن اعتقال الضباط الأربعة الذين اتهموا زورًا وبهتانًا باغتيال رفيق الحريري، وأنتجت العمل شركة إيرانية كانت تعمل في لبنان تعود للصحفي الإيراني الأستاذ علي منتظري، والذي هو اليوم مراسل قناة فرنسية مهمة في طهران. وكان من حسن حظي أن هذا العمل حقق لي أمنية طالما تمنيتها وهي الالتقاء بفخامة المقاوم الرئيس إميل لحود، حيث كان من ضمن الشخصيات الضيوف الذين استضافهم البرنامج. وبالفعل توجهنا إلى برج الغزال في وسط العاصمة بيروت، وهو من أعلى الأبراج في البلد، والرئيس يسكن في “الروف” من ذلك البرج الرائع الذي يشرف على كل بيروت في اتجاهاتها الأربعة، بالإضافة إلى الجبال والمصايف الجميلة القريبة منها والبعيدة.
كان اللقاء عند العاشرة صباحًا، وانتظرنا في البهو الكبير الأستاذ محمد الغروي مدير العمل والمصور سليم زريق وزوجتي وأنا. وما هي إلا دقائق معدودة حتى سمعنا ضربات مشي كأنها ضربات حذاء عسكري يؤدي المشْيَة العسكرية في احتفال عسكري كبير، فهمسنا جميعًا أن الرئيس قادم. وما لبثنا أن وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع أنظف واأشجع رئيس مرّ في تاريخ لبنان، والذي لطالما كنت أفتخر، وللمرة الأولى في حياتي، أن لديّ رئيس جمهورية يحق لي أن أرفع رأسي به وبمواقفه وسياساته، وكنت أراه وما زلت أنه من أعظم الرؤساء العرب الذين شهدتهم الساحة العربية.
لحود شخصية لن تتكرّر كأنه حلم مرّ في حياتنا
صافحنا جميعًا فردًا فردًا بابتسامة عريضة، ولشدة لباقته واحترامه للحجاب لم يمد يده لمصافحة زوجتي مكتفيًا بالحركة المعروفة القاضية بوضع كفه على صدره مع انحناءة بسيطة برأسه لها.
سألنا عن أحوالنا وحدثنا عن مواظبته يوميًا على السباحة عند السادسة صباحًا، لذلك لا يعرف الزكام ولا الحساسية.
أمام الكاميرا، وفي حديثه عن الحريري والضباط المتهمين ظُلمًا وعدوانًا، كان كعادته يتحدث بصدق وشفافية وتطرق إلى الأهداف الصهيونية والإرهابية من قتل الحريري، وتحدث عن صموده بوجه المحكمة الدولية التي أُنشِئَت زورًا وتم تهريبها من خلفه كرئيس للجمهورية ومن خلف مجلس النواب. هذا بالاختصار.
بعد التصوير، ونحن نشرب القهوة معًا، راح يتذكر “حملة فِل” التي استهدفته مسميًا الأشياء بأسمائها؛ من دور البطريرك صفير إلى جعجع والسفارات الأميركية والفرنسية والسعودية، عاتبًا على الكثير من السياسيين اللبنانيين الذين اشتركوا بمقاطعته تنفيذًا للأوامر الأميركية والغربية، ولكنه كان جبلًا لم يأبه لهم جميعًا مؤكدًا حرية قراراته الوطنية.
نعم، الرئيس لحود هو واحدٌ ممّن مروا في تاريخ بلدنا، وشعرنا معه بأننا ننعم برئيس جمهورية لا موظف في القصر الجمهوري، لأول مرة في تاريخ لبنان.