مساء الكبتاغون الذي لا يعلم أحد كيف دسّته السعودية في جملة واحدة مع اسم حزب الله، ولا يعلم أحد أيضًا كيف استطاعت إلزام عدد كبير من أبواقها بترداد هذه الجملة دون أن يتساءلوا ولو لمرة واحدة ما هو الرابط بين حزب كحزب الله وبين صناعة المخدرات وتهريبها.
وهنا لا نتحدث عن رابط حقيقي، فكلّ عاقل يعلم أنّه غير موجود واقعًا. لكن أن يقوم هذا الكمّ من الناطقين بترداد العبارة دون التفكّر لحظة في اختلاق رابط وهمي يساعدهم على الظهور بمظهر لائق لناحية مستويات الذكاء المتعارف عليها فهو أمر يستحق الوقوف عنده.
ما أثبتته الأحداث والأدلّة حتى الساعة بخصوص الكبتاغون هو التالي:
- السعودية بلد يستهلك كميّات كبيرة من هذه المادة المخدرة، بشكل خاص، ويكثر تعاطيها في أوساط الأمراء. وبالتالي يمكن القول بشكل حاسم إن السعودية تتدخّل في جميع اجراءات تهريب هذه المواد إليها كي تؤمّن حاجات مدمنيها ولا سيّما الأمراء الذين ما عادوا يجرؤون على تهريب الكبتاغون في طائراتهم الخاصة بعد فضيحة “أمير الكبتاغون” الموقوف في لبنان.
- تبيّن في الفترة الأخيرة أن المهرّبين الأساسيين لهذه المادّة من لبنان إلى السعودية هم من المحسوبين على عشاق السعودية في البلد. وهذا ما يمكن اعتباره مؤشّرًا يؤكد النقطة الأولى. خاصة أنّ معظم الكميّات المضبوطة يجري اكتشافها وإحباط تهريبها في لبنان وليس في السعودية. وبهذا يصبح الاتهام السعودي لحزب الله بتسهيل تهريب الكبتاغون إلى الأراضي السعودية بمثابة الهروب إلى الأمام ومحاولة تغطية الفضيحة عبر تحويلها إلى اتهام يطلقونه بأنفسهم قبل أن يعلو صوت يدينهم على ارتكاب تهريب المخدّر وتعاطيه.
- ضبط الكميات المهرّبة من لبنان وإحباط محاولات تهريبها أجبر السعودية على البحث عن بوابة تهريب أخرى،.فوقع اختيارهم على الأردن. والمفارقة أنّه حتى الساعة لم يتهم أيّ متسعود حزب الله بالسيطرة على حدود الأردن. غريب صمتهم! لعلّه ارتباك سبّبه وجوب أن يبحثوا عن معابر أخرى تؤمّن وصول المادة إلى السعوديين قبل أن تبدأ أعراض الانقطاع عن المخدّر بالظهور عليهم فيرتكبون بالمقصرين عن تأمين الكبتاغون لهم ما لا تحمد عقباه.
- اتخذت السعودية من الكبتاغون ذريعة لقطع العلاقات التجارية مع لبنان عبر وقف استيراد المزروعات اللبنانية. جميل. بغضّ النظر عن فهمنا لخلفيات السعودية واضطرارها لتكثيف آليات الحصار، ألم يمرّ ببال أحد من الساخطين لسخط السعودية، أن الأخيرة لا تريد من مزروعاتنا إلّا غطاء للكبتاغون الذي تحتاجه وتريده، وبالتالي تعتبر أنّ الكميّات المهرّبة باتت معرّضة للمصادرة، فلماذا يخاطرون بشراء “حمضيات” طبيعية غير محشوّة بالمادة المخدرة التي يدفعون ثمنها ويتكفلون بمصاريف تهريبها؟
بالأمس صرّح وزير الداخلية اللبناني أن لا دليل على تورّط حزب الله في تهريب الكبتاجون إلى السعودية. صحيح أن اتهامًا باطلًا ومكشوفًا إلى هذا الحدّ لا يحتاج إلى دليل لدحضه، ولكن كيف يمكن محاسبة من عمدوا إلى تسويق الاتهام وتكرار الكذبة رغم علمهم وعلم معلّميهم أن لا علاقة لحزب الله في ابتلائهم بالمخدرات وفي مساعيهم لتهريبها؟ وإلى أيّ حد من الانبطاح وصل من يسوّق لما تقوله السعودية دون الالتفات برهة إلى القانون الذي من المفترض أنّه يمنع إشاعة وتلفيق الإدانات دون دليل مادي أو معنوي أو حتى ظرفيّ؟
أسئلة كثيرة قد لا تجد جوابًا شافيًا لعجز من يمتلكون الأجوبة عن النطق بها، ولوقوعهم في أسر تلبية ما يطلبه أمراء الكبتاغون، أما نحن، فلا نملك إلا الدعاء لهم بالشفاء من إدمانهم للذل الآتي من الرياض، والذي يعادل خطره خطر المخدرات.