رحلت سمر الحاج.. خسرنا امرأة يفوح منها عبق النضال

قد تختلف معها سياسيًّا، وقد لا تعجب بطريقة وضعها للنقاط على أول سطر الحروف، وقد تنزعج من حدة ردها، لكن، ومن المستحيل، أن لا تحترم نضالها، ووقفتها، ومثابرتها، ومقاومتها الباسلة.

هي سمر الحاج التي عرفتها حرة ومتزنة وصاحبة رأي قبل أن يُعتقل زوجها، وتلفق له تهمة من صناع المؤامرات وتجار الأوطان. هنا سمر أم صلاح خلعت عباءة العاطفة الصابرة، وانتفضت مع عاطفة ثائرة، تغيرت من امرأة المناسبات إلى مقاتلة شرسة تفوقت على الأم والزوجة التي تسكنها، ارتدت صوت العدالة، وفتحت خزائن المرأة الثائرة، ونثرت عطرها لنصرة عطر الحقيقة، ونزلت الأرض مناضلة، مكافحة، ومجابهة لأكبر زمر إعلامية في العالم، زمر فاقدة للضمير، وهمها تشويه الشرفاء والبيوت الكريمة والأوطان.

لم تصب سمر بتعب، وبترهل تكرار بحثها عن الحقيقة الواضحة، كانت محامية قبل من يحمل تلك الشهادة، حلفت قسَم النور ضد العتمة، وباليد الثانية وردة تزرعها أينما حلت.

كتبت فصول القضاء ونوافذه قبل أن يتغنى الجلاد بما صنع من اتهامات تضليلية، وبيدها القلم الصارخ بكبرياء الحكاية الشهيرة منذ هابيل وقابيل إلى اليوم، حكاية الصراع بين الحق والباطل.

رسمت سمر الحاج في صوتها لوحة من نور الخالق، ولم تخف غدر الحاقدين، والملفقين، وتجار المعبد، وبلسانها نعمة الرحمن، وغصن العدالة، وأوراق تستر بها عورات المجرمين القتلة.

هي في مقاومتها لا تشمت بالقتلة، لأن سماتها الحرية، وشعارها الحقيقة من كل جوارحها، ونضالها أن لا تغيب الشمس عن سطر مواقفها، فانتشرت في فضاء معها وضدها، فضاء مرتزق ومجتهد، منافق ومقاوم، فضاء باحث عن عدالة الأرض وآخر لا يعترف، لكن سمر تعترف بعدالة السماء، فضاء مأمور بالدولار والريال كي يقضي على عدالة الأرض ويتجبر على عدالة الخالق. لم تخف سمر كل هذه الفبركات والأحقاد والشياطين، ووقفت بثبات المرأة العربية التي تقف بجانب زوجها لحظة الحاجة، وتدافع عن اسمها وروحها بكل ما تملك، وتناضل بجوارحها عن وطنها وأسرتها حينما تتلمس الخطر، فالوطن بالنسبة للراحلة سمر الحاج بصمة تراب ستدفن فيها، وسترافقها كعرضها إلى قبرها مع كفن الطهارة، وكفنها عائلتها الكبيرة كسيف لا يعرف الخمول، وسيفها عائلتها الصغيرة التي تريدها أن تتزين بالنور، والنور بالنسبة إلى سمر وإلى الأرض هي المقاومة.

هذه هي سمر الحاج، وهذا هو نضالها البراق، هي مفخرة لكل النساء في زمن تشويه دور المرأة، وهي ناصعة كالإيمان رغم شهوة الإعلام الذي وقفت تجاهها كالند محاربةً فوق العادة، وهي سمر الجبهة العارفة لأصول المجابهة المقاومة المثابرة حتى تزيح الشمس، وتسلم الراية لشريكها.

نعم بنضالها، وبصوتها وقساوة مواقفها، وحسمها لكونها المرأة الأم أزاحت الشمس بكل فخر، وارتضت أن تقف بعد ذلك خلف الزوج اللواء لتقول للعالم والعدالة وللأعداء والأحباب: هكذا أنا أفهم الدور والحرية والقضية. ومع هذه الصفحة استمرت بنضالها، ولم تخف من كل الثرثرات الحاقدة، ولا من أبواق الجاهلية في الطوائف والمعابد والكابريهات الإعلامية التي تم تأجير شاشاتها وأقلامها وضمائرها إلى الشياطين وأعداء الدين والإنسان والكتاب والوطن.

سمر بعد خروج الزوج من زنزانة الاعتقال الجريمة استمرت بالصوت والفعل المقاوم، ورغم أنها سلمت الراية إلى الزوج الحر لم تترك السيف، ولم تعش الانطواء والانزواء لكونها من وهج المقاومين، ولكن المرض الخبيث كان ينتظر جسد المرأة الراية. وأيضًا، انطلقت سمر بحربها معه دون ضجيج، ولم تبخل علينا بالمشاركات الاجتماعية والسياسية، وبالظهور الإعلامي دون أن تعلمنا بأوجاعها، وبأن الخبيث يأكل منها.

هذا ما أرادته في حربها الخاصة. وبعد صراع طويل، ومرير، ومؤلم حتى عمق الروح مع المرض الخبيث توفيت ذات صباح المناضلة الشريفة، صاحبة المواقف الحق والجريئة، الصارخة بوجه الظالم والظلم، الإعلامية والناشطة السياسية والاجتماعية سمر الحاج، زوجة اللواء علي الحاج المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي.
لقد خسرنا امرأة يفوح منها النضال بكل فخر واعتزاز.

اساسيسمر الحاجلبنان