بالنظر إلى سلوك وزارة الداخلية، لا يمكن للمرء إلّا أن يقرّ بضرورة توزيع “كاتالوغ” لكلّ وزير جديد، يتضمّن قائمة واضحة بمسؤولياته وحدود صلاحياته وتفاصيل عمله بالإضافة إلى بديهيّات التعريف بالمفاهيم الأساسية المتعلّقة بالدولة كالحرية والسيادة والاستقلال، لا سيّما أن هذه المصطلحات الثلاثة هي من أكثر الكلمات استخدامًا في قاموس السياسة اللبنانية، وفي بازار الشعارات، وتمثّل أكثر المفاهيم التي جرى انتهاكها على يد مَن يرفعونها شعارًا.
بعد التجاوز الذي ارتكبه وزير الداخلية بحقّ نادي العهد، والذي تبيّن أنّه كيد سياسيّ لا يرتكز على أيّ تقرير أمنيّ، وبعد كثير من المناسبات التي أطلعنا فيها بنفسه على ولائه الانبطاحي لبني سعود، متجاهلًا ولو على “عيون الناس” كمّ الإهانات التي تصدر يوميًا عن الكيان السعودي والكيانات الملتحقة به بحق لبنان واللبنانيين، خرج إلينا اليوم بسلسلة مواقف تؤكّد، من دون أدنى خجل، انبطاحه أمام الرياض.
يقول إنّ القوانين اللبنانية تمنع تعكير صفو العلاقات مع الدول العربية. لم يلتفت الوزير إلى البديهية القانونية التي تتحدّث عن مشروعية الدفاع عن النفس، وربما هو لا يجرؤ على وضع كلّ حديث صدر ضد بني سعود في إطار الدفاع عن النفس المشروع قانونًا وعرفًا بعد سنين من الانتهاكات التي ارتكبوها بحقّنا والتي تتعلّق بجرائم إرهابية مشهودة بالإضافة إلى التحريض اليومي ضد فئة لبنانية ومن دون أيّ رادع أخلاقي أو دبلوماسي حتى.
كذلك لا يلتفت لوجود هذه القوانين حين يتعلّق الأمر بالإساءات المستمرة الصادرة عن منابر فريقه السياسيّ ضد الدولة السورية. هو يذكر القوانين في إطار عام لتدعيم وتبرير تماهيه التام مع ما يطلبه السعوديون، وينساها، أو يتناساها، كلّما تطاول منبر مشبوه على سوريا.
ويقول إن لبنان لن يكون معبرًا لأي شرّ يصيب العرب. يبدو أن الوزير بحاجة لتذكير متواصل بأسماء جميع الدول العربية، فالظاهر أنّه يعتبر “العروبة” شهادة يمنحها بنو سعود لمن يشاؤون ويسقطونها عمّن يشاؤون. وهنا لا بدّ من السؤال: هل ضبط الوزير الغيور على الرضا السعودي سيارات مفخّخة ومعدّة للتفجير جرى تجهيزها لإرسالها إلى الرياض، على سبيل المعاملة بالمثل؟ هل ألقت وزارته القبض على إرهابيين لبنانيين يتحضرون لتفجير أنفسهم في السعودية؟ طبعًا لا؛ فهذا الصنف من الشرّ هو صنعة سعودية، هو صنف عبر إلينا من السعودية على مرأى من فريق سياسيّ ينتظر رضا “طويل العمر” وسفيره، ولو كان مسحوبًا، ويمارس تحت إمرته كلّ انتهاك ممكن بحق الفئة اللبنانية التي تمتلك ما يكفي من العزّة والكرامة فلا تجاري انبطاحه ولا تمتثل له.
ثمّ قال إن على المجتمعين في ذكرى الشيخ نمر النمر عدم التعرّض للسعودية لأن ذلك ليس في برنامج الحكومة. جميل! هل قال قائل إنّ الحكومة هي من تحيي الذكرى؟ هل وصل إلى الوزير “تقرير أمني” خفيّ كذلك الذي وصله قبل مباراة فريق العهد يقول إن المتحدّثين في الذكرى هم وزراء في الحكومة وناطقون باسمها؟ أم اختلط عليه الأمر لعلمه أنّ السعوديين سيعاقبون الحكومة أيًّا كان المتحدّث، ليقينه بجهلهم وبحقدهم الذي يمنعهم من فهم ما يسمعون؟
بجمل قليلة وموحية، انتهك الوزير سيادة واستقلال بلاده بتماهيه التام مع شروط الرضا السعوديّ والتي تتضمّن القبول بكلّ ما يصدر عن السعودية، ورفض كلّ ما قد يزعجها. وكذلك انتهك حقوق الإنسان وحريّة التعبير بوضعه شروطًا حول آراء الآخرين بشأن قضية أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون قضيّة سياسية وهي قضية الشيخ الشهيد نمر النمر.
بناء على ذلك، على المعنيين الإسراع في تحضير الكاتالوغ المشار إليه في المقدّمة، حرصًا على ما تبقى من نثار السيادة التي تنتهكها السعودية بالتعاون مع صبيانها في البلد.