لا تقتصر جهود التطبيع مع الكيان الصهيوني على منحى واحد دون آخر من مناحي الحياة؛ فبالتوازي مع عمليات التطبيع السياسية والاقتصادية والرياضية التي تنخرط فيها أنظمة عربية عديدة، تجري عملية التطبيع التربوي بطريقة ممنهجة وعلى دفعات بسيطة ومجزّأة. ولإلقاء الضوء على عملية التطبيع التربوي وإظهار مدى أهميتها ونتائجها الخطرة جدًّا على هوية الأمة العربية والإسلامية، أجرى «الناشر» الحوار التالي مع المدير العام لمركز الأبحاث والدراسات التربوية د. عبد الله قصير.
ما المقصود بالتطبيع التربوي؟
المقصود بالتطبيع التربوي العمل على اختراق الوعي لدى الجيل الناشئ ومحاولة تشويه تاريخ الصراع العربي – “الإسرائيلي” وتبرير الوقوف في وجه مقاومة العدو “الإسرائيلي” وتهيئة الجو للتحالف معه وخلق عدو مصطنع وغير موجود هو الجمهورية الإسلامية في إيران كبديل عن عدو الأمة العربية والإسلامية. يريدون تغيير التاريخ والجغرافيا وتغيير الرأي العام العربي والإسلامي.
كيف تجري عملية التطبيع التربوي؟
منذ أكثر من عام أجرينا عملية مسح بالتعاون مع بعض المعلمين العرب ليزوّدنا كل بلد عربي بما تتضمن مناهجه من عمليات تطبيع، والمناهج التي تُلحَظ فيها عمليات تطبيع.
جمعنا معطيات، ووجدنا أن هذه المعطيات كبيرة وخطيرة تستدعي رفع الصوت في هذا المجال وتوعية الجمهور والنخب ومراكز الدراسات والإعلام والرأي العام حول خطورة هذه المسألة التي تجري بهدوء وتجزئة، إذ تجري عملية التطبيع التربوي بطريقة ممنهجة على دفعات بسيطة ومجزّأة، وأحيانًا مقنّعة عبر حذف ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضية الصراع العربي – “الإسرائيلي” دون إضافة ما له علاقة بـ”إسرائيل”، ثم تبدأ خطوة ثانية بعد سنين بإضافة أو تغيير خرائط ووضع اسم “إسرائيل” عليها مكان فلسطين، أو كما جرى في بعض الدول العربية من وضع تعريف لمدينة القدس يذكر فيه أن القدس هي عاصمة “دولة إسرائيل”. إلى هذا المستوى وصل التشويه في التاريخ.
ما هي أهمية التنسيق مع اتحاد المعلّمين العرب في مواجهة التطبيع التربوي؟
بعد جمع هذه المعطيات تباحثنا مع اتحاد المعلمين العرب، وهو اتحاد يشمل معظم الدول العربية (17 دولة من أصل 22)، يمثل حسبما يقول الأمين العام للاتحاد الأستاذ هشام مكحل، أكثر من مليوني معلّم عربي. والمعلمون العرب المنتمون لهذا الاتحاد أو الاتحادات التابعة له هم معلمون للمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وفي بعض الدول يشملون أساتذة الجامعات، وبالتالي فالاتحاد ليس فقط اتحادًا لمعلمي المدارس فقط.
وقد اعتبرنا أن التعاون بين المركز وبين اتحاد المعلمين العرب فيه مصلحة كبيرة في مواجهة التطبيع التربوي، نظرًا لأهمية وخطورة هذا الموضوع، لأننا نعتبر أن التطبيع التربوي من أخطر أنواع التطبيع لأنه يدخل إلى المناهج التعليمية والتربوية ويساهم في تربية الناشئة سواء في المدارس أو الجامعات وفي صياغة هوية جديدة للمتعلم في عالمنا العربي، فإذا كانت الأجيال السابقة أجيالًا رافضة للتطبيع كونها عايشت حقيقة “إسرائيل” وهمجيتها وجرائمها ومجازرها عبر عشرات السنين من الصراع، سواء في حرب 1948 أو 1967 أو 2000 أو 2006 و2014 وغيرها، فاليوم توجد أجيال جديدة لم تشهد هذه الحروب ولم تتعرف بشكل مباشر وعملي إلى الطبيعة العدوانية للعدو “الإسرائيلي”، لذلك قد تنطلي على هذه الأجيال لعبة التطبيع في المناهج التربوية، وبالتالي هم يريدون أن يكسبوا جيلًا جديدًا يكون لديه التطبيع وقبول وجود “إسرائيل” بين الدول العربية أو التحالف معها مقبولًا لدى الجمهور أو الرأي العام.
ما هي الغاية من المؤتمر الإسلامي العربي لمناهضة التطبيع التربوي وما هي أهدافه؟
نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية واتحاد المعلّمين العرب، برعاية وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضى، في كانون الأول 2021، المؤتمر الإسلامي العربي لمناهضة التطبيع التربوي، شارك فيه تسع شخصيات، منهم من الوطن العربي (مصر – الجزائر – تونس – المغرب – لبنان – فلسطين – الأردن – سوريا – البحرين – العراق)، واثنان من دولتين مسلمتين هما إيران وباكستان.
وقد حاولنا من خلال المؤتمر تحقيق مجموعة أهداف هي:
الهدف الأول: إلقاء الضوء على عملية التطبيع التربوي وإظهار مدى أهميتها ونتائجها الخطرة جدًّا على هوية الأمة العربية والإسلامية.
الهدف الثاني: فضح العمليات التطبيعية التي تجري أحيانًا في الخفاء أو بهدوء أو بتدرّج.
الهدف الثالث: توعية الرأي العام حول خطورة هذا الموضوع وأهميته والوقوف في وجهه ورفضه.
الهدف الرابع: البحث في السبل وتوفير الإمكانات وتنسيق الجهود في مسألة مواجهة التطبيع التربوي.
وعلى هذا الأساس جرى الاتفاق على أن لا يكون المؤتمر نهاية الطريق، بل هو بداية الطريق والخطوة الأولى على أن يتبعها مباشرة تشكيل لجنة تنسيق بين كل المعنيين والمهتمين بمناهضة التطبيع التربوي، على أن يكون نواة هذه اللجنة مركز الأبحاث والدراسات التربوية واتحاد المعلمين العرب، وينضم إليهما كل النقابات والاتحادات والمراكز والجمعيات التي تعنى بمناهضة التطبيع التربوي لنشكّل معًا بالتعاون والتنسيق والتكامل في الجهود جبهة واحدة في مواجهة عملية ونتائج هذه العمليات التطبيعية.
مركز الأبحاث والدراسات التربوية، هو مركز يعنى بالفكر التربوي ودعم المؤسسات التعليمية والتربوية في موضوع تطوير المناهج. أُسّس منذ أكثر من ثماني سنوات، ولديه نحو عشرين إصدارًا من الكتب التربوية المتنوعة، ويصدر مجلة نصف سنوية تعنى بالفكر التربوي والمقارن، وهي مجلة ليس لها مثيل على الساحة اللبنانية ولها مثيلات عربية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.