د. زكريا حمودان* – خاص الناشر |
تشتد الحملة على لبنان بين خارجية وداخلية بهدف إقصائه من ساحة الصراع مع “إسرائيل” وصعوده ركب المطبعين الجدد. هذه الحملة الشرسة تؤثر بشكل مباشر في كل تفصيل في حياة المواطن اللبناني، وتسيطر على جزء كبير من انشغالاته ليصبح بعدها باب التطبيع هو الخيار الأوحد أمامه. ويشترك في هذه الحملة أطراف في الخارج والداخل، ويلعب مختلف الأطراف في هذه الساحة دورهم بامتياز، الأمر الذي شرذم الساحة اللبنانية خلال أشهر، بشكل تدريجي ومتسارع.
الضغوطات الخارجية للسير نحو التطبيع
يستمر الخارج بتنفيذ أجندته الخارجية للسير نحو التطبيع منذ العام ٢٠١٨ ، يوم استقبل السلطان قابوس رئيس مجلس وزراء العدو “الإسرائيلي” نتنياهو، مرورًا بإطلاق حراك ١٧ تشرين الأول من العام ٢٠١٩، وصولًا إلى تطبيع مَن طبع من دول الخليج وضغط سعودي على لبنان من أجل التطبيع لكي يستطيع أن يجد السعودي مبررًا له يقوده نحو التطبيع.
بعد ضغوط خارجية قادتها الولايات المتحدة الأميركية في الداخل اللبناني من أجل تحقيق خرق في انتخابات العام ٢٠١٨ وفشلهم بذلك بسبب عدم وجود حاضنة شعبية لخطابهم الفارغ من أي مضمون يُقنع الناس، بدأت ضغوطات الخارجية الأميركية وبعض الفاعلين العرب في الداخل اللبناني في حراك ما سُمي بـ١٧ تشرين الأول.
بالتزامن مع تحريك الساحة اللبنانية محليًا من قبل بعض أدوات الداخل، كانت الساحة العربية تسير بشكل تدريجي نحو التطبيع، حيث تغاضت الإمارات العربية المتحدة عن جميع أشكال الحياء وتوجهت نحو التطبيع، وسارت معها البحرين والمغرب، وتتحضر سلطنة عمان وقطر وتبقى السعودية مُحرجة.
بعد الضغط الأميركي العربي ماليًّا على لبنان والتخلي كليًا عنه، وتحريك حاكم مصرف لبنان والمصارف من أجل تعزيز انهيار الليرة اللبنانية، دخل الإعلام اللبناني وبعض الجمعيات في أجواء الترويج للتطبيع ليصبحا أداة جديدة من أدوات الخارج التي تعمل في الداخل اللبناني.
بالتزامن مع الضغوطات الخارجية باستخدام الأدوات الداخلية، برز القرار الخليجي بمقاطعة لبنان بشكل كامل عند أول مفترق طرق، فأتت أزمة الخليج مع لبنان بذريعة تصريحات سابقة لوزير الإعلام جورج قرداحي. الملفت في هذا الأمر أن التصاريح السعودية والخليجية نسيت تصاريح الوزير قرداحي التي على أساسها نشأت الأزمة في جميع تعليقاتها على المقاطعة الخليجية للبنان، وركزت على عنوان وحيد “سيطرة حزب الله على لبنان”. هنا يُطرح سؤال وحيد، هل دول الخليج هي العدو الحقيقي لحزب الله -رغم عدم عداء حزب الله لأيٍ من هذه الدول- أم أن دول الخليج اليوم باتت تخوض معركة “إسرائيل” مع لبنان بالنيابة عن “الإسرائيلي”؟ وهل انتقلت بعض الدول العربية المُطبعة من مرحلة التطبيع إلى معركة خوض معارك “إسرائيل” بالنيابة عنها؟ وما هي مصلحة السعودية في خوض هذا الصراع العنيف ضد شعب لبنان ومقاومته؟
السعودية تحديدًا تسير في ركب التطبيع لكنها لا تستطيع أن تُطبع. هي يجب أن تكون آخر من يُطبِّع لكي تُقنع المجموعات القبلية في المملكة بأنها تسير مرغمة عنها لا بإرادتها، لذلك كانت الحرب الشرسة على حزب الله الذي لم يعد فقط الحصن المنيع في محاربة “إسرائيل” ودعم الفصائل الفلسطينية، بل هو عقدة لحلفاء الكيان الصهيوني الجدد وثروة قومية إسلامية – عربية تحمي شرف الأمة من بيع القضية الفلسطينية.
الضغوطات الداخلية للسير نحو التطبيع
يعتقد البعض أن ذريعة الفساد هي سبب خروج القوات اللبنانية من حكومة سعد الحريري الأخيرة بعد تحركات ١٧ تشرين الأول، ويعتقدون أن الثورة على الفساد تكون عبر سفارة الولايات المتحدة الأميركية في عوكر حيث وكر الفساد وسرقة الشعوب. لكن حقيقة الأمر أن برنامج مسار التطبيع بدأ من هناك بالتزامن مع البرنامج الخليجي والتحريض على المقاومة الإسلامية في لبنان وعلى كل مقاوم شريف. هذا التحريض المحلي ترافق وضرب الليرة اللبنانية في الداخل من خلال أدوات جاهزة للخدمة، حيث كان مصرف لبنان والمصارف جاهزة لخوض معركة الحرب على المقاومة والترويج لعناوين السلام.
بين مصرف لبنان والمصارف تركيبة من الفساد غير محدودة، وقيمتها تصل إلى ١٥٦ مليار دولار (٦٤ مليار دولار عبارة عن سندات خزينة بالليرة اللبنانية، ٢٣ مليار دولار سندات يورو بوندز للداخل اللبناني (مصرف مركزي ومصارف)، و٦٩ مليار دولار فجوة حسابات مصرف لبنان).
من يعتبر أن الفساد كأداة، أو المصرف المركزي والمصارف، أو حكومة سعد الحريري وما بعدها، هي سبب الأزمة فيكون مخطئًا، فالأزمة اليوم تدور في فلك التطبيع، وكل ما تم ذكره أدوات للأزمة وللتطبيع معًا.
اليوم يعيش لبنان معركته مع التطبيع، بين الداخل الحاضر بجزء كبير منه لتلبية مطالب دول الخليج التي تدفعنا باتجاه التطبيع، وبين الخارج الذي تصب جميع مصالحه في سبيل التطبيع، ولن نسلم منهما سوى بزوال هذا الكيان المغتصب للأرض والانتصار للقضية الفلسطينية من الخونة والعملاء، صهاينة اليهود والعرب.
- مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء. رئيس التجمع الوطني للتنمية ونشر الديمقراطية