فؤاد بكر* – خاص الناشر |
تضفي الاتفاقيات الثنائية أو الدولية الشرعية القانونية والسياسية على الكيانات الدولية، من خلال الاعتراف الضمني والمتبادل بين الطرفين، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لذلك تسعى “إسرائيل” للتطبيع مع الأنظمة العربية الرسمية، باعتباره مدخلًا لتغيير الرأي العام العربي تجاه العداء لـ”إسرائيل”، لأنها تدرك أن الشرعية تكتسب من الشعوب لا من الحكومات، وذلك عبر تسليم المواطن العربي بشرعية “إسرائيل” على أساس يهودية الدولة بأيديولوجيتها الصهيونية والاستعمارية، للبحث حول مكاسب أمنية، وعسكرية، وسياسية، والتخلص من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها.
لم تتوصل “إسرائيل” إلى إطار سياسي يضمن لها أمنها إلا من خلال الأنظمة العربية الرجعية، ضمن مشروع سياسي أميركي – “إسرائيلي”، لخلق شرق أوسط جديد تسوده الصراعات الدموية على حساب المصلحة الوطنية، ومن هنا بدأت مشاريع التسوية العربية – “الإسرائيلية”، عقب اعتراف الأمم المتحدة بـ”إسرائيل” كعضو كامل العضوية بموجب القرار 273 في 11 أيار 1949، ضمن شرطين، وهما الاعتراف بقرار التقسيم 181 وقرار عودة اللاجئين 194.
وبعد النكسة عام 1967، وبعد انهيار النظام العربي الرسمي، تصدّر المشهد القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن، في القمة العربية التي عقدت في السودان، والتي جوبهت باللاءات الثلاثة، “لا اعتراف، لا تفاوض، لا صلح مع “إسرائيل””، ليأتي مشروع روجرز بعد موافقة أردنية ومصرية، الذي بلور حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية، لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ضمن برنامج سياسي يكفل الكفاح المسلح، ويرفض أي محاولة تصفية للقضية الفلسطينية.
وقد حققت حرب مصر وسوريا عام 1973 نتائج إيجابية، لكنها سرعان ما انتهت باتفاقية كامب دايفيد، التي هيأت المناخ للمشاركة العربية في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، الذي جسد العلاقة بين المنتصر والمهزوم، ما أدى إلى انعقاد المفاوضات السرية بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، تحت الضغوط الأميركية والشروط “الإسرائيلية”، وانتهت بالتوقيع على اتفاقية أوسلو التي ألغت الكفاح المسلح، بعد معارضة شرسة من الفصائل الفلسطينية كافة.
وبعد فشل كل محاولات التطبيع مع “إسرائيل”، وانعدام الأفق السياسي، انعقدت المبادرة العربية في بيروت عام 2002، حيث طالبت “إسرائيل” بالانسحاب من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة بحدود 4 حزيران عام 1967، وتحقيق عودة اللاجئين وفق القرار 194. لكن سرعان ما خرقتها الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان، تماشيًا مع صفقة القرن التي وضعها دونالد ترامب الرئيس الأميركي السابق للولايات المتحدة الأميركية، في ظل ابتزازات سياسية واضحة، وشروط معلومة لا تخفى على اثنين.
تجاوزت اتفاقية التطبيع التي أطلق عليها اتفاقية “أبراهام” القانون الدولي، بسبب عدم تحديدها للحدود التي تسري عليها الاتفاقية، في ظل مخططات الضم “الإسرائيلي” والتوسع في المستوطنات غير الشرعية، والمخالفة لقرار مجلس الأمن 2334 عام 2016، التي صمم عليها رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، والتي تعد جريمة حرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى العكس تمامًا، بل بدأت الدول المطبعة بزيارة المستوطنات ودعمها ماديًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، ما يجعلها شريكة في هذه الجرائم، بل وتتعدى على سيادة الدولة الفلسطينية، فيما يؤكد الإعلان العالمي الخاص بتعزيز الأمن الدولي عام 1970، وإعلان عدم التدخل بجميع أنواعه بالشؤون الداخلية للدول عام 1981، وإعلان تعميم وتدعيم الانفراج الدولي عام 1970، الامتناع عن قيام بعلاقات تعزز من شؤون الاحتلال، وتمنع الشعوب من تحقيق مصيرها، خصوصًا إذا كانت الدولة تمارس سياسة الأبارتهايد، فكيف إذًا بعد تقرير غولدستون لمجلس حقوق الإنسان، والفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية المتعلقة بالجدار العازل عام 2004، وتقرير هيومن رايتس ووتش الذي صدر في 27 نيسان 2021، الذي يؤكد أن “إسرائيل” دولة أبارتهايد؟
ساهمت اتفاقيات التطبيع بتعزيز الاحتلال الإسرائيلي، وسياسته العنصرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل عدم اكتراث “إسرائيل” للقانون الدولي، وضربها عرض الحائط بجميع قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، التي تكررت عشرات المرات وبتصويت الأغلبية، المتمثلة بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، ما يجعلها قاعدة آمرة في القانون الدولي، لا يجوز أن تتعارض مع أي اتفاقية أخرى، من هنا تكون اتفاقيات التطبيع باطلة بموجب المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969، وشريكة في جرائم الحرب التي تنتهكها “إسرائيل” في المستوطنات “الإسرائيلية” ومخططات الضم، ومساهمة في الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني.
*مستشار قانوني في المحكمة الجنائية الدولية