تنظر تركيا بعين القلق لما يحدث اليوم في كازاخستان، لما بين البلدين من روابط كثيرة بأبعاد مختلفة، فأي فوضى في فضاء الدول الناطقة باللغة التركية لها تأثير سياسي واقتصادي على تركيا التي تعمل منذ سنوات على تقوية الدول التركية تحت قيادتها. وبعد تغيير اسم “منظمة الدول الناطقة باللغة التركية” إلى “منظمة الدول التركية” في 12 تشرين الثاني 2021 ظهر سعي تركيا لخلق كيان سياسي جديد في آسيا يتماشى مع استراتيجيتها الجيوسياسية. تضم المنظمة كلًّا من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان أعضاء دائمين وتركمانستان والمجر عضوين مراقبين.
في اجتماعها الأخير في 12 تشرين الثاني قال وزير الاقتصاد الوطني الكازاخستاني أسيت إرجالييف “سنركز جهودنا أيضًا لإطلاق منطقة اقتصادية خاصة جديدة تسمى طوران، العام المقبل في كازاخستان، وهي منطقة حصرية للأعضاء والمراقبين في منظمة الدول التركية”. اسم المنطقة مستوحى من مشروع طوران، وهو فكرة انتشرت في ظل انحدار السلطنة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر تدعو إلى إقامة دولة طوران التي تضم جميع أبناء العرق التركي وتمتد من تركيا الى القرم في روسيا وشين جيانغ في الصين عبورًا بآسيا الوسطى. ولدى روسيا حساسية كبيرة اتجاه هذا المشروع، وكلما يعود تداوله في الساحة التركية تبدأ الصحف الروسية بالضجيج حول خطورة الطرح التركي. فالمشروع القومي التركي المتمثّل في طوران يعني سيطرة تركيا على الفضاء الحيوي لروسيا وهو ما لا يمكن أن تقبله روسيا بأي شكل من الأشكال.
كازاخستان هي إحدى هذه الدول المهمة جدًا لروسيا وتركيا. فبالنسبة لروسيا، كازاخستان ذات حدود مشتركة، وهي دولة ممر للنفط والغاز الروسي نحو الصين. كما إن أي نفوذ لقوة أجنبية هناك يمثّل تهديدًا للأمن القومي الروسي. أما بالنسبة لتركيا فكازاخستان في صلب مشروعها القومي، وهي بلد أساس في الكيان السياسي الجديد المسمّى “منظمة الدول التركية”، كما إنها وجهة رئيسية للاستثمارات التركية حيث وصل عدد الشركات التركية العاملة هناك الى 2800 شركة في بداية العام 2021، في حين أن واحدة من كل ثماني شركات أجنبية في كازاخستان هي شركة تركية. بالإضافة الى ذلك، بلغ إجمالي حجم الاستثمارات التركية في كازاخستان 3.2 مليار دولار في العام 2020.
بعد الأحداث الأخيرة التي ظهرت في كازاخستان بتاريخ 2 كانون الثاني 2022 تحوّلت أنظار كل من روسيا وتركيا نحو الداخل الكازاخستاني. هنا كانت روسيا الأسرع؛ فبينما كانت تركيا ما تزال تظهر قلقها من الأحداث الجارية، ذهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو اتخاذ قرار إرسال جنود الى كازاخستان عبر تفعيل البند الرابع من منظمة معاهدة الأمن الجماعي الذي يتيح لدول المنظمة تقديم المساعدة العسكرية في حال وجود عدوان على إحدى دول المنظمة. نجح بوتين بتحقيق ما كان يصبو إليه واستطاع تثبيت الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكايف على رأس السلطة الكازاخستانية. أما أردوغان فانتظر حتى الخميس في 6 كانون الثاني حتى يجري أول اتصال مع توكايف ويعلن مساندته له. وكأن اتصال أردوغان أتى بعد تفاجئه بالخطوة الروسية التي ستكون لها تداعيات مهمة على مصالح أنقرة.
أظهر بوتين للجميع أن روسيا جاهزة للمساندة في حال احتاج الحلفاء له على عكس أردوغان الذي اكتفى بإظهار رفضه للفوضى عبر بيان لوزارة الخارجية لكي يتبعه باتصال متأخر بالرئيس الكازاخستاني. يهتم بوتين بشكل كبير في أن تصل الرسالة إلى دول الفضاء السوفياتي السابق. فبالنسبة لحكّام هذه الدول الاستمرار بالحكم هو الدافع الأساسي لبناء علاقاتهم الخارجية. ثانيًا، الدور الذي لعبته روسيا لتثبيت السلطة في كازاخستان لن يمر دون مقابل، وعليه ستستفيد روسيا من تمدّدها الحالي في البلاد عبر العمل على تقويض المشروع التركي ومنع تركيا من إقامة كيانها السياسي الجديد والاستفادة منه لمزاحمة روسيا في آسيا الوسطى.