على أعتاب كانون تعود الذكرى، محمّلة بعبق من رحلوا عنا جسدًا، وخلّدوا في القلوب والأذهان روحًا وإيمانًا ونهجًا.
يومها، حين لبّت الروح نداء معشوقها، على وقع آيات الطهر ونسائم الفجر، رحلت بسكون وطمأنينة، فرحة مستبشرة، راضية مرضيّة.
من هناك، من أرض جبل عامل، أتى العلامة المجاهد الشيخ يوسف سبيتي، من روابي الجنوب المقاوم، حاملًا حب الوطن والأرض منذ الصبا، مؤمنًا زاهدًا عاشقًا لله وماضيًا في سبيله.
جنوبي الهوية والانتماء، وعلى خطى السيّد الموسوي الشهيد ثبّت خطاه، أبحر في علوم الدين والعلم والمعرفة، أراد للدين أن يكون رسالة حبّ وسلام، اعتنق لغة الحوار والبصيرة والانفتاح، فكان للمؤمن مرشدًا وللملحد هاديًا، رؤوفًا، حنونًا، متواضعًا، صاحب الابتسامة التي ما تلاشت يومًا، والكلمة الطيبة التي أينعت في قلوب من تلقّفها طمأنينة وحبًّا.
بين حوزات النجف وقُم كانت المسيرة، حيث سُقيت الروح من مناهل الدين والشريعة، وعادت مجددًا من حيث بدأت، لتكمل الرسالة التي انبثقت من رحم رسالة النبوة وطهر الإمامة.
وفي عالم مليء بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والدينية، كان للعلامة (قدس) كلمته الواضحة ومواقفه الجريئة وآراؤه الحكيمة، لم يتردد يومًا في نصرة الحق، وتبيان الباطل، وإظهار حقيقة الأمور، ورأي الدين الاسلامي فيها، لا سيما تلك التي ألبسها المجتمع ثوب الضلالة وأخفاها أسياده تحت عباءة الدين، لعلّ أبرزها وأكثرها دقة وتأثيرًا قضية المرأة وحقوقها في الإسلام، معتمدًا في ذلك على لغة العقل والشريعة، مستندًا لآيات كتاب الله ومواقف المراجع الكبار، ممّن آمن بفكرهم ونهجهم، أبرزهم سماحة العلامة المجدد السيد محمد حسين فضل الله (رض)، حيث كان سماحته أحد أعضاء هيئة الإفتاء في مؤسسة السيد (رض).
بالإضافة الى ما سبق، لا بد من أن نذكر الدور الذي كان يؤديه سماحته (رض) في إظهار الصورة الحقيقية للإسلام المحمدي الأصيل، عبر الانفتاح على الآخرين، وخوض تجارب الحوار معهم، وتبادل الأفكار والآراء المتعلّقة بالإنسان والحياة والمجتمع، وتبيان رأي الدين فيها ونظرته لها، بعيدًا عن مظاهر التعصّب والانغلاق وانطلاقًا من أن الدين هو رسالة محبة وتسامح، لا اقتتال وتنافر.
شيخنا الحبيب!
قد تخوننا اللغة أحيانًا حين تعجز عن تكريم من هم أمثالك، وتقع الأبجدية في قصورٍ حين يتعلق الأمر بوصف فضائلك.
سلام الله على قلبك الذي عاش لله وفي سبيل الله.
سلام الله على روحك التي نثرت الطهر والسكينة وحب الله بين خلق الله.
سلام الله عليك في عليائك، مؤمنًا طاهرًا زاهدًا صالحًا.
سلام الله عليك، حيث أنت ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدر﴾.