للعام الثاني على التوالي ينسى بعض الداخل اللبناني كل الأزمات التي يعيشها ويُركّز على عقدته الوحيدة على ما يبدو، ألا وهي طريقة إحياء حزب الله لذكرى استشهاد قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني والقائد الجهادي أبو مهدي المهندس، ويتخذها ذريعة لإثبات ما يدّعيه زوراً عن وجود لاحتلال ايراني في لبنان، مع العلم أن البلد تنتشر فيه صور لزعماء عرب سُمّيت شوارع بأسمائهم ثبت تورطهم -باعترافهم- مع العدو “الإسرائيلي” في الحرب على لبنان. فبين مَن حارب معنا ضد الاحتلال ومَن شارك بالحرب علينا معه لا مجال للمقارنة بعين المنطق والعقل والوطنية والوفاء ورَد الجميل.
عندما شرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن دور اللواء سليماني وعلاقته بالمقاومة في لبنان منذ تسلمه مهامه، وتحديدًا دوره في حرب تموز عام ٢٠٠٦، لا تستطيع أن تميّز بينه وبين غيره من قادة المقاومة في لبنان، في حياتهم وبعد استشهادهم، في إحياء ذكراهم. لذلك نرى طريقة إحياء ذكرى شهداء الثاني من كانون الثاني لا يقل أهمية عن طريقة إحياء ذكرى القادة الشهداء في ١٦ شباط من كل عام، وهذا الأمر ليس محصورًا بقيادة المقاومة، إنما ينسحب على شعبها الذي يقدِّر مَن وقف معه بالدم في الحروب التي شُنّت عليه ويحفظ جميله بعد استشهاده.
لم يتحدث السيد نصر الله يوماً عن المقاومة في لبنان بشكل منفصل عن محيطها. وفي الآونة الأخيرة بات الأمين العام لحزب الله يتحدث باسم محور المقاومة، بعد أن صار الصراع أوضح وعلنيًّا بين محورين، محور المقاومة من جهة والمحور الأميركي “الإسرائيلي” من جهة أخرى، خاصة بعد موجة التطبيع، وبعدما توحدت الجبهات، وكان للشهيد سليماني بصمة واضحة فيها، فكان حيث يجب أن يكون.
جبهة لبنان كان لها نصيب كبير من حضور الشهيد سليماني الذي تحدّث عن بعضه السيد نصر الله. حضور لم يكن يومًا إلا مقاومةً بوجه الاحتلال، في حين أن مَن ينتقد في الداخل وفاء المقاومة لدور قائد فيلق القدس في كل المعارك التي انتصرت فيها، كان يلعب دورًا آخر ولا يزال، بتخاذله وتآمره وانبطاحه لدول طبّعت مع العدو “الإسرائيلي” أو في طريقها نحو التطبيع، والتي لطالما عرضت أموالها لقتل مقاومينا من القادة والأفراد والمناصرين.
أما عن فلسطين، القضية المركزية، فكل ما شهدناه من تعاظم قوة المقاومة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، من أول صاروخ كورنيت، إلى تطوير البنية الصاروخية والعسكرية، وصولاً لمعركة سيف القدس، كانت بصمة اللواء قاسم سليماني واضحة حتى بعد استشهاده، تمامًا كبصمة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية.
لم تكن المقاومة في لبنان يومًا سجينة مساحة جغرافية محددة، منذ البدايات، حين رأت ببصيرتها حجم الصراع واتساع مساحته، لذا لم يكن ممكنًا حصر المواجهة ضمن بقعة جغرافية محددة، وكان لا بدّ من الامتداد على طول الحدود، أي المواجهة بمستوى الصراع، ومَن لم يتضح له بعد هذا الصراع لا يمتلك العمق الذي وُلِد مع المقاومة، ومن المستحيل أن يراه بسطحيته تارة وبتآمره تارة أخرى.