القوة الناعمة: الشجرة الأميركية الخبيثة

حسين محيي الدين – خاص الناشر |

تُعرّف الحرب الناعمة بأنها التأثير النفسي عبر الدعاية الإعلامية والثقافية التي تستهدف مجتمعًا ما أو جماعةً معيّنة، حيث يُستدرج الخصم إلى مستنقع الانفعال والهزيمة بعيدًا عن الحروب العسكرية والغزوات التقليدية. وبتعريفٍ ثانٍ هي تحولات بالسلوكيات الثقافية والفكرية بغية التأثير في القرار السياسي.

نشأ هذا المصطلح في العام 1990 حين نشرت مجلة “فورن أفيرز foreign affairs ” الأميركية مقالًا للمنظّر الأميركي “جوزيف ناي” استخدم فيه مصطلح “قوة الاستتباع غير القهرية “co-optive power ثم طوّره لاحقًا فأصبح القوة الناعمة، وعرّفها بـ “أنها القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشاوى وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة، كما كان يجري في الإستراتيجيات التقليدية الأميركية، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد”.

في كتابه “ما بعد القتال: حرب القوة الناعمة بين أميركا وحزب الله” يجيب الكاتب والباحث السياسي د. حسام مطر ردًا على سؤال عن هدف الويلات المتحدة الأميركية من القوة الناعمة: “بعد احتلالهم العراق، دمج الأميركيون مفهوم القوة الناعمة بمفهوم مكافحة التمرّد، وانطلاقًا من دراسة تاريخية أعدّها معهد (راند)، بتكليف من وزارة الدفاع الأميركية، لفهم حركات التمرّد وكيفيّة مواجهتها، توصّلوا إلى نتيجة مفادها: إنّ المكوّن الرئيس لحركات التمرّد، ومنها حزب الله، هو الدعم الشعبيّ. ولمواجهة هذه الحركات، يجب أولًا استهداف المنظّمة نفسها، وثانيًا استهداف القاعدة الشعبيّة الداعمة. وقد أظهرت الدراسة أنّ المقاربات التي اعتمدت على مواجهة القاعدة الشعبيّة، كانت أكثر نجاحًا عبر التاريخ؛ لذلك، اعتبروا أنّ مواجهة حزب الله يجب أن توجّه نحو قاعدته الشعبية التي تؤمِّن له الدعم المادي، والبشري، واللوجستي، مضافًا إلى المشروعيّة السياسيّة”.

تشتد حماوة النزال في هذه الحرب اجتماعيًا واقتصاديًا عبر استخدام الإدارة الأميركية لأذرعها اللبنانية في إدارة قرارات الدولة ومؤسساتها الرسمية. وتعاميم مصرف لبنان نموذج، حيث يتمايل الدولار على أطرافها صعودًا وهبوطًا مع ما يلحقه من تآكل يومي للقدرة الشرائية عند المواطنين ذوي الدخل المحدود والأسر الأكثر فقرًا. التأثير يبدأ هنا ولا ينتهي عند محاولة ثني الحاضنة الشعبية للمقاومة عن دعمها شبه اليومي لـ “قجة” هيئة دعم المقاومة الإسلامية أو جمعية الإمداد أو جمعية المبرات الخيرية وغيرها من صناديق التكافل الاجتماعي الموجودة في كل بيوت هذه البيئة تقريبًا.

تبدأ “الفلسفة” السياسية بهذا الكلام: “أنا مع الحزب بالعسكر بس ضدو بالسياسة، الحزب متحالف مع الفاسدين اللي جددوا لرياض سلامة، وينها ملفات حسن فضل الله (على أساس أن أيًّا من الفلافسة كان ليلجأ إلى غير القضاء الذي لجأ إليه السيد فضل الله)، والأنكى “شو فارقة معاهم هني بيقبضو دولار”. وهذا ما يندى له الجبين حيث إن واجهة الحصار الأميركي الهدف والتخطيط هم أناس من بيئة حلفاء المقاومة، من سنخيتها، وهم أنفسهم على مدة ثلاثين سنةٍ تنعّموا بمغانم الدولة في الحشو الوظيفي الطائفي قبل سنة 2018، حينها كان القبض بالدولار بالنسبة لهم منقصةً وخزيًا إلى حد ألّا يزوجوا بناتهم لأبناء الحزب. بعض هؤلاء “المعربشين” على السياسة من باب السوشال ميديا، يعملون في مؤسسات الإدارة الأميركية في لبنان.

قبل عام ونصف عندما قام فضلو خوري بطردٍ تعسفيّ للمئات من موظفي ومستخدمي مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، لم ينبسوا ببنت شفة وكأن على رؤوسهم الطير، وخوري نفسه قاد مسيرات طلابية إبان “ثورة دايفيد شينكر” تطالب بطرد الاحتلال الإيراني وجاليته من لبنان، هذا الاحتلال الذي يلبس قبعة الإخفاء الساحرة، فلا يراه سوى عصافير تويتر أمثال فارس سعيد، وبيتر جرمانوس، وامرأة وكلبها بوتشي.

بتاريخ 07-07-2020 حين أعلن سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله عن الجهاد الزراعي، انغمس التافهون والتافهات في توهين وتثبيط بيئة حزب الله، وبالتالي إعراضها عن خوض هذه المعركة، وعمد بعض التجّار قليلي الضمير إلى رفع سعر الأسمدة والكيماويات ونوعية الشتول بحجة ارتفاع سعر الدولار، بغية الربح من جهة ومحاولة حشر الناس المجاهدين من جهةٍ ثانية، فيكف تكون هنا “معو بالعسكر بس ضدو بالسياسة؟”.

عمل حزب الله على عشرات المشاريع الإنمائية والسكنية وعشرات المؤسسات الاجتماعية التي يستفيد منها مئات آلاف اللبنانيين، بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم، طبيًا وتعليميًا وزراعيًا، ومشاريع القروض الميسرة، وغيرها، حتى قيل إن هذا الحزب ابتلع الدولة بمؤسساته. حسنًا فلنفكر قليلًا لو لم تكن هذه المشاريع والمؤسسات، كيف كان الحال؟ من المعيل لما يقارب مليون مواطن على الأقلّ؟ واقع الحال أنه عندما تخلّت الدولة بأجهزتها وسياساتها حمل هذا الحزب الشريف كتفًا عنها وأعطى بيئته بندقيتها بيمينها وقلمها وكتابها بيسارها، فزرعت دمها إلى أن كبر هذا الحزب وتعاظمت معه المسؤوليات. طبعًا كل هذا لا يراه عباقرة السوشال ميديا المؤنجئون، بل يرون تحالفات الحزب في هذا المسخ الطائفي المسمى زورًا “وطن”، حتى أن الحزب نسَج تنوُّع تحالفاته طائفيًا ومناطقيًا بهدف الانعتاق من حبل العصبيات الطائفية والفئوية البغيضة، لا بهدف “سترة” سلاحه سياسيًا ولا لتقاسم مغانم وحصص أغناه الله تعالى عنها بخيرة البيوتات المتعففة الصابرة والمحتسبة.

إذًا الشجرة الخبيثة؛ القوة الناعمة؛ معركتنا في التربية والسياسة والإعلام وكيفما طرفت العين، وإن دغدغت أحلام الجبناء والضعفاء وتطلعاتهم في وظيفةٍ هنا أو درعٍ تكريمي هناك أو مؤثّرٍ في الإعلام الجديد في غير مكان مع ما يستتبع ذلك من الشهرة وبهرجة الأضواء، فإنها لن تجد لها طريقًا عند الشجرة الطيبة، خاصة إذا تداعينا إلى تجمُّعٍ إعلامي ثقافي وأدبي وفني، يؤتي أكُله كل حين. الله الله في نظم أمرنا، ليس لهذا الجيل فقط، بل للأجيال اللاحقة، عملًا بالآية الكريمة (وقِفُوهم إنهم مسؤولون).

اساسيالمقاومةالولايات المتحدةحزب اللهشيالبنان