“أبو عجينة” طليقًا: الجريمة اكتملت

يُقال إنّه لا توجد جريمة كاملة، وإنّ المجرم لا بدّ أن يرتكبَ خطأً ما يعيق اكتمال جريمته أو أن يعجز عن محو جميع الدلائل التي تشير إليه. أمّا إذا كان الجرم مشهودًا، وكلّ العناصر الجرمية واضحة، فيصبح البحث عن خطأ المجرم الذي منع اكتمال الجريمة مضيعة للوقت، لا سيّما إذا كان المرتكب مدركًا لإمكانية أن يُعفى من العقاب. في هذه الحال، لا يبذل القاتل جهدًا لمحو بصماته عن أداة القتل. بكل الأحوال، بعض الجرائم لا تنتهي بانتهاء أحداثها وظروفها ونتائجها، قد تكتمل في أروقة العدل وملفات القضاء. في لبنان، الجريمة كاملة.

تداول الناشطون بالأمس صور “معروف حمية” والد الجندي في الجيش اللبناني الشهيد محمد حميّة. السبب في عودة اسم الوالد الذي أخذ بثأر ابنه بيده هو ببساطة إطلاق سراح علي الحجيري “أبو عجينة” رئيس بلدية عرسال الذي جاهر بالتحريض على جنود الجيش اللبناني وكانت له مساهمات كبيرة في استهدافهم وتسليمهم إلى المجموعات الإرهابية ومنها جبهة النصرة.

تجدر الإشارة إلى أنّ إطلاق سراح الحجيري لا يختلف ببعده التواطئي عن إطلاق سراح المتهمين بالقتل في مجزرة الطيونة وكذلك في خلدة. وبالتالي لا يمكن فصل إخلاءات السبيل هذه عن بعضها بعضًا، ولا عن السياق الذي يبدو أنّ مديريه يتعمدون صناعته بغية الوصول بالبلد إلى الفوضى الأمنية، عبر بلوغ الوقاحة في مسايرة القتَلة وربّما تهنئتهم في سبيل استفزاز البيئة التي ينتمي إليها من قُتلوا ظلمًا وغدرًا.

بعيدًا عن البحث في المسوّغات القانونية التي قد تكون وُجدت لتبرير فعل إطلاق سراح القاتل، وغيره من القتلة، وبعيدًا عن مقاربة المسألة ببعدها الوجداني والعاطفي عبر تصوير حجم الأذى المعنوي الذي يضاف إلى كلّ المآسي التي تواجهها عوائل وبيئة الشهداء المغدورين، سواء في عرسال أو في خلدة أو في الطيونة، وأيضًا بعيدًا عن قراءة إخلاءات السبيل المتتالية من منطلق سياسي وانتخابيّ ربّما، ما الذي يريد القضاء قوله للناس الذين احتكموا إليه ليعدل بينهم؟

وإذا سلّمنا جدلًا بقانونية هذه القرارات، يبقى السؤال المطروح هو ما جدوى القانون إذا أتاح قتل القتيل مرتين، مرة بالرصاص، أو بالسكين، ومرة بإعفاء القاتل من القصاص القانوني؟ وما هي القيمة الفعلية للقانون إذا وجدت فيه ثغرات تمنح القاتل إعفاءً لأي سبب كان على مرأى من عيون أهل القتيل وناسه؟

الجواب عن هذه الأسئلة كان بالأمس صورة معروف حمية، الآخذ بثأر ابنه والمقتصّ من قاتله من دون انتظار حكم القضاء. وبالتالي يمكن ترجمة المشهد بأن المطلوب فعلًا هو دفع الناس إلى الاقتصاص من قاتلي أبنائهم بأيديهم، أو حشرهم في زاوية الظلم المشهود والصريح على قاعدة “اركبوا أعلى ما في خيلكم” فقد حكم القضاء بذلك وعليكم أن تذعنوا وتقبلوا الأمر. وفي الحالين، يقودنا هذا المسار إلى نقمة مفهومة قد تؤدي إلى فوضى أمنية تضاف إلى سلسلة الأزمات التي يعيشها لبنان وكلّ سكانه بفعل الحصار وبفعل الحرب الاقتصادية وبفعل القرار الأميركي “بالفوضى الخلاقة” الذي لم يجد له أرضًا خصبة حتى الآن في البلد رغم إنفاق واشنطن المبالغ المرقومة وتجنيدها شخصيات وأفرادًا عاديين لتحقيق هذه الفوضى.

بالأمس، صدر الحكم القضائي على أهالي الشهداء العسكريين بالقهر المتجدّد، بالإيلام المتعمّد، عبر الإفراج المستغرب عن قاتلي أبنائهم وعن المحرضين على قتلهم كما حصل مع أهالي شهداء خلدة وشهداء الطيونة. بالأمس قال القضاء كلمة قاسية بحقّ المظلومين الذين لم تشفع لهم مظلوميتهم المشهودة واحتكامهم للقضاء. بالأمس، لم ينم أهل الشهداء، فيما كان أفراد عصابة “أبو عجينة” يستقبلونه على وقع الهتافات ورصاص الابتهاج، وبالأمس، قُتل العسكريون مجدّدًا.

ابو عجينةعرسالعلي الحجيريهام