اعتاد الجنوبيون منذ ١٩٧٨، تاريخ تأسيس القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان بواسطة مجلس الأمس، على تسميتها بقوات الطوارىء. خضعت مهام “الطوارىء” للتعديل مرتين، الأولى في العام ١٩٨٢ والثانية بعد التحرير في العام ٢٠٠٠. أما في العام ٢٠٠٦ وبُعيد حرب تموز، فقد أضيفت إلى مهامها المهام التالية:
- مراقبة وقف الاعتداءات
- دعم انتشار الجيش اللبناني في الجنوب
- تأكيد وصول المعونات الإنسانية للمواطنين وتأمين العودة الطوعية الآمنة للنازحين.
حتى ذلك الحين، كانت علاقة “الطوارىء” بالجنوبيين علاقة ودودة إلى حدّ ما، لا سيّما وأنّ جنود تلك القوّة كانوا يحرصون على عدم التصادم مع أهالي المناطق التي يعملون ضمن نطاقها، وكانت تحركاتهم داخل القرى لا تستدعي الاستهجان بحيث إنها كانت واضحة الأهداف دائمًا وتأتي في سياق لا يثير أي ريبة أمنية.
منذ ٢٠٠٦ اختلف الوضع كثيرًا. أصبح جنود الطوارىء أكثر عدائية تجاه السكان؛. يتصرفون بحذر يشي بكونهم يعتبرون المنطقة منطقة معادية لعملهم، يقودون سياراتهم بسرعة جنونية داخل القرى، وجرت على إثر ذلك حوادث سير متفرقة أدّت إلى سقوط قتلى وجرحى من الجنوبيين ومن جنود القوّة. وكانوا يتعمدون أحيانًا استفزاز الناس.
السرّ ليس في عوامل نفسية طرأت على حال هؤلاء الجنود الغرباء، ولا هو في أفعال وردود أفعال ذات طابع شخصي. السرّ في تغيّر طبيعة عمل قوات الطوارىء، مع التركيز على المطالبة “الإسرائيلية” بتعديل مهامها بحيث تشمل “تفتيش القرى والمنازل التي يوجد فيها مؤشر واضح على أنّ حزب الله يخزّن ذخائر فيها” وتأمين “حرية حركة اليونيفيل”. وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست قال نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إنّ اليونيفيل هي أحد أعظم إخفاقات الأمم المتحدة لكونها وقفت مكتوفة الأيدي بينما جمع حزب الله ترسانة من آلاف القذائف، وقام بحفر الأنفاق تحت أنوف اليونيفيل.
إذًا، هنا يكمن بالضبط سرّ إصرار اليونيفيل على أداء دور “اسرائيلي” في جنوب لبنان، وبالتالي هنا مكمن حذر الناس ورفضها لأي حركة مشبوهة يقوم بها هؤلاء الجنود. وفي هذا السياق جاءت حادثة بلدة شقرا بالأمس، وغيرها من الصدامات التي جرت بين أهالي القرى وقوات الطوارىء.
حاول المصابون بلوثة اتهام حزب الله بأي حدث يضرّ بأجندات معلميهم، تصوير مشهد شقرا وكأنّه مواجهة بين حزب الله واليونيفيل، وهو أمر لا يحتاج لتكذيب أو توضيح. يكفي فقط أن يتخيل المرء شكل المواجهات التي يقوم بها حزب الله ومقارنته بمشهد الأمس لتبيان الفارق والنتائج. يحاول هؤلاء بإشاعة أخبار كهذه التقليل من حجم قوة حزب الله، وفي الوقت ذاته نزع ثقافة المقاومة عن الناس العاديين عبر إنكار حقيقة مشهودة تقول إن أهل هذه الأرض كلّهم هم أهل المقاومة، وأهل مواجهة مع كلّ ما يمس بأمن قراهم.
“الطوارىء” فهموا رسالة شقرا جيّدًا، وكذلك “الإسرائيلي”. أما فتية الافتراض والإشاعات الذين لا يعرفون أصلًا ما هي مهام قوات الأمم المتحدة وما هي حدودها، فلن يفهموا الرسالة ولا المشهد. ولا ضير في أن لا يفهموا.
ببساطة، يحاول جنود قوّة الأمم المتحدة القيام بالمهمات التي تريدها لهم “اسرائيل”، وهم يعرفون أنّها بذلك تزجّ بهم في مهمات مستحيلة. فالأرض هنا لفظت محتلّها وعملاءه، وأهلها المجبولون بثقافة المقاومة وبالتراب المشبع بالدم وبالعرق يجيدون قراءة خطوات الغرباء وأهدافها، والأرض وناسها اليوم غير معنيين بتبرير رد فعلهم لأحد أو بشرح مخاوفهم لمن لا يفهم.