المقاومة جدوى مستمرة

الشهيد باسل الأعرج: “المقاومة جدوى مستمرة، كل ثمن تدفعه في المقاومة إن لم تحصّله في حياتك ستحصل عليه لاحقًا”.

مع إعلان دولة “الكيان الصهيوني” كانت قد نضجت فكرة إنشاء سجون “إسرائيلية” نتيجة تصاعد وتيرة الصدام بين المنظمات الصهيونية من جهة، والتنظيمات والمجموعات العربية والفلسطينية المقاوِمة من جهة أخرى. وفي أعقاب هزيمة حزيران 1967 تحولت السجون التي ورث معظمها “الإسرائيليون” عن الانتداب البريطاني الى مراكز لشن العنف ضد الشعب الفلسطيني، ولاحقًا عام 1970 تحول مقر قيادة القوات البريطانية الى “سجن عسقلان المركزي”، ووصف الافتتاح حينها بالأكثر دموية، إذ كان الجيش يضرب الأسرى بالهراوات على كامل أجسادهم وهم يمرون عبر طابورين من الجنود، وسجن الفارعة خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 تحول من إصطبل للخيل في العهد الريطاني الى مركز للتحقيق، ومستودع الدامون للدخان الى سجن “إسرائيلي” وذلك خلال انتفاضة الأقصى عام 2000.

بذلك تبلورت ثقافتا الاعتقال والنضال في وعي الشعب الفلسطيني، خاصة بعد تزايد أعداد المعتقلين مع نشأة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية الفدائية، وكان لا بد لهاتين الثقافتين من أن تتأطرا تنظيميًّا على أيدي الأسرى والأسيرات الفلسطينيين تحت مسمى الحركة الأسيرة، لتضم داخلها جميع أسرى معتقلات الانتداب البريطاني عام 1917 مرورًا بالاحتلال “الإسرائيلي” عام 1948 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 967 وجميع الأسرى الفلسطينيين حتى يومنا هذا.

في السنوات الأولى من انطلاقة الحركة الأسيرة كانت ظروف اعتقال الأسرى بعيدة عن شروط الحياة الإنسانية، حيث كانت سياسة الاحتلال في السجون ممنهجة باعتبارها أداة لقمع مقاومة الشعب الفلسطيني، ووسيلة لإخضاع الأسير وتطويعه وكسر إرادته الوطنية وتحطيم معنوياته وصولًا الى تصفيته إذا تعذر على الاحتلال الوصول الى أهدافه تلك.

هذه الظروف لم تدم طويلًا، فاستطاعت الحركة الأسيرة عبر مرحلة جديدة من النضال إحداث نقلة نوعية في مسيرتها وانتزاع بعض حقوق الأسرى اليومية المسلوبة، مرحلة لم تكن سهلة الخطوات، بل تطلبت وسائل نضالية قاسية وشاقة، كالإضرابات المفتوحة عن الطعام أو ما يعرف بحرب الأمعاء الخاوية، ومواجهة مباشرة مع مصلحة السجون أدت في بعض الأحداث الى سقوط العديد من الشهداء والجرحى. فبذلك كان صراع الأسرى داخل السجون منذ البدايات حول دفاعهم عن ذاتهم الوطنية التي استُهدفت من قبَل سياسة الإبادة الإسرائيلية.

فأول ما أرست الحركة الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال هو بدء حالة التمرد والاستنهاض، وإيجاد القرار الجماعي واللجان الاعتقالية، وبناء الحياة التنظيمية على أساس مركزي، حيث قام هيكل تنظيمي على رأس هرمه لجنة مركزية تضع السياسة العامة، تضاف إليها لجنة ثقافية تشرف على الجلسات والنشاط الثقافيين، بالإضافة الى النشاطات الأمنية والمالية والاجتماعية والإدارية.
ففي الخامس من تموز عام 1970 أُجبرت إدارات الاعتقال على كسر سياساتها القمعية وذلك بعد الإضراب الأول الذي بدأ في العام 1969 في سجني الرملة وبيت ليد، فتوصل الأسرى منذ ذلك الوقت، وما لحقه من سنوات، الى تحسين بيئة غرف الاعتقال الصحية، والتخفيف من ازدحامها، وتحسين قوائم الطعام، والسماح بإدخال الكتب، وإنشاء المكتبات وإقامة النشاطات الترفيهية، وتقدُّم الأسرى لامتحانات الثانوية العامة، ووقف العقوبات الجماعية، وإلغاء نظام الجلوس على الأرض، ورفع مستوى الرعاية الصحية، وصولًا الى تشكيل هيئة لإدراة المعتقل يكون على رأسها ممثل للأسرى تتعامل معه إدارة السجن على أنه الناطق الرسمي باسمهم.

لم تمنع هذه الإنجازات، التي انتزعتها الحركة الفلسطينية الأسيرة خلال مسيرتها النضالية، سلطة الاحتلال الصهيوني وإدارات سجونه من الاستمرار بالتنكيل بالأسرى وسوق جميع فئات الشعب الفلسطيني الى المعتقل تعسفًا، من شباب ورجال ونساء وفتيان وفتيات وكهول. وحسب آخر احصاءات لهيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية فإن من بين إجمالي الأسرى يوجد 43 أسيرة و225 طفلًا أسيرًا، وإن عدد المعتقلين الإداريين يبلغ حوالي 540 معتقلًا إداريًا. وبحسب نادي الأسير الفلسطيني فإن عدد الأسرى الذين خاضوا معركة الإضراب عن الطعام رفضًا للاعتقال الإداري يبلغ نحو 50 أسيرًا منذ بداية 2021 وإن ما يقارب 543 معتقلًا في السجون يقضون أحكامًا مؤبدة لمرة واحدة أو عدة مرات.

منذ أيام عدة تتعرض الأسيرات الفلسطينيات في سجن الدامون لحملة تنكيل نتيجة رفضهن لإجراءات جديدة تتعلق بالزيارات وغرامات مالية ستفرض عليهن. الحملة تمثلت في الاعتداء عليهن بالضرب وسحلهن مما أدى لإصابة بعضهن، وعزلت ممثلاتهن؛ فعند الساعة التاسعة من مساء الثلاثاء الماضي، وحيث كان الوقت متأخرًا، وحالة الطقس سيئة، طلبت إدارة السجن من إحدى ممثلات الأسيرات، وهي مرح باكير، إفراغ إحدى الغرف من الأسيرات فرُفض الطلب. لم تفاوض الإدارة ولم تناقش موضوع الرفض، وقامت عند منتصف الليل بفصل التيار الكهربائي عن القسم، وتلا ذلك اقتحام قوة كبيرة من وحدات القمع الغرفة، واعتدت على الأسيرات وأخلتهن الى غرف عدة، لتعاد كرّة الاعتداءات والتنكيلات بهنّ في اليوم التالي وعزل ممثلاتهن.

وفي رد على الاعتداءات التي تتعرض لها الأسيرات، تعرض ضابط “إسرائيلي” في إدارة السجون “الإسرائيلية” لعملية طعن في سجن نفحة على يد الأسير يوسف المبحوح، ونقل على إثر ذلك أعضاء الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في سجن نفحة الى العزل، وجرى تكبيل أسرى قسم 12 بالسلاسل وتركهم في ساحة السجن من دون أغطية، وسحبت مقتنياتهم وجرى الاعتداء عليهم بالضرب الشديد وتحويل السجن الى زنازين عقابية.

بموازاة تلك التطورات يواصل الأسير هشام أبو هواش إضرابه المفتوح لليوم الـ127 على التوالي اعتراضًا على استمرار اعتقاله الإداري وسط تحذيرات من تدهور حالته الصحية، ونداءات الحركة الأسيرة لجميع الفصائل والقوى للتدخل لإنقاذ حياته. ودعمًا منها لقرارت الأسرى الإداريين مقاطعة المحاكم الخاصة بالاعتقال الإداري أعلنت الحركة الأسيرة عن تنسيق هذه الخطوة مع هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير كمشروع وطني جامع سيبدأ من تاريخ 1\1\2022 داعية الشعب الفلسطيني الى مناصرة هذه الخطوة وإطلاق حملة تضامن واسعة معها. وحتى ذلك التاريخ قررت الحركة البدء بخطوات نضالية تصعيدية تشمل سجون الاحتلال كافة من صباح 22\12\2021، وذلك لاعتبار الأسيرات الفلسطينيات خطًّا أحمر وللضغط بهدف الكشف عن مصير الأسير المبحوح وأسرى القسم 12 في سجن نفحة.

مسيرة طويلة ومسار شاق في مخاض الحرية التي ينشدها المناضل والمقاوم الفلسطيني، مسار لم يخل من التضحيات ولن يخلو، والأسيرات والأسرى يخوضون اليوم معركتهم من داخل السجون. لهم ولهنّ نقول ويقول الشهيد باسل الأعرج: “المقاومة جدوى مستمرة، كل ثمن تدفعه في المقاومة إن لم تحصّله في حياتك ستحصل عليه لاحقًا”.

اساسياسرائيلالامعاء الخاويةالمعتقلاتفلسطين
Comments (0)
Add Comment