‏في السعودية.. شهية الملك لا تزال مفتوحة على اعدام القُصّر

إسراء الفاس – خاص الناشر |

845 شخصاً جرى إعدامهم في عهد حكم سلمان بن عبد العزيز آل سعود. آخرهم الشاب مصطفى آل درويش، كحالة إعدام أولى تسجل بعد إعلان صدور أمر ملكي في أواخر نيسان/أبريل 2020 بإنهاء تنفيذ حكم الإعدام بحق المدانين الذين ارتكبوا جرائم وهم قصّر.

كغالبية من جرى اعدامهم سابقاً، تلقت عائلة آل درويش نبأ اعدام ابنها من الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. لا تسقط مملكة الظلم المُعمّر حقوق معتقليها فقط، بل كل من يمت لهم بصلة، لتحرم عائلة آل درويش من توديع ابنها، ومواراته في الثرى في مقره الأخير، أو حتى تلقّي العزاء به عبر “مجموعات تعزية” الكترونية. وهل يمكن لسلة المحرمات الملقاة على عاتق المفجوعين أن تترجم شيئاً سوى الحقد الذي يكنه آل سعود للشعب، كعملية ثأر لا يتوقف عند حمام الدم المفتوح منذ عهد المؤسس؟

ورغم صدور أمر ملكي يمنع الإقدام على الخطوة، أعلنت وسائل الاعلام السعودية اعدام الشاب مصطفى آل درويش، والتهم – وفق ما نقلت وكالة الأنباء السعودية – أتت بالجملة: “الخروج المسلح على ولي الأمر وزعزعة الأمن في هذه البلاد من خلال تكوينه مع بعض الإرهابيين خلية إرهابية مسلحة تهدف إلى الترصد لرجال الأمن وقتلهم، وإحداث الشغب وإثارة الفوضى والفتنة الطائفية وتصنيع القنابل بقصد الإخلال بالأمن، وقيامه مع بعض أفراد تلك الخلية بالشروع في قتل رجال الأمن وذلك بقيامهم بإطلاق النار على الدوريات الأمنية وإصابتها، واجتماعه واختلاطه بأحد المطلوبين أمنياً وبعض المشاركين في أعمال الشغب واشتراكه معهم في تصنيع واستعمال قنابل المولوتوف”.
لم يكتف القضاء السعودي بتهمة واحدة، بل أخذت يده تسهب في اسناد تهمة تلو أخرى، بلا دليل تستند إليه. وحالة مصطفى آل درويش هنا، تختصر واقع المنطقة الشرقية عموماً، تهم جاهزة بلا أدلة، تقدم صورة شيطانية للمنطقة ومن فيها، وتبرر كل عدوان أو عقاب تسقطه السلطة.

“احتجز مصطفى قيد التوقيف الاحتياطي المُطوَّل وتعرَّض للتعذيب ومَثُل في محاكمة فادحة الجور”. الكلام وثقته بيانات منظمة العفو الدولية، التي لم تفلح مناشداتها بردع النظام السعودي عن ارتكاب جريمته. وحدها اعترافات أقر الشاب بأنها انتزعت منه جراء التعذيب هي ما أراد القضاء أن يأخذ بها، لتصل الرسالة إلى الشعب بأن الكلمة في قاموس المتحكمين بالبلد كما الرصاص، وأن الطاعة تكمن في ابتلاع الأنفاس، وإلا فإن شهية الملك ومن يمارس صلاحياته مفتوحة على تنفيذ اعدامات، ترى فيها السلطة تأديباً لشعب بأكمله.
ويكمن جرم آل درويش الحقيقي في الشعور بالانتماء لوطنه. المنتمون لأوطانهم فقط هم من يأملون بغدهم فيه، بحقوق لا يريدون أن يحظوا بها الا بين أهلهم، بمشاركة تتسع للجميع، تقطع الباب على سياسات التهميش، وتعيد المعتقلين السياسيين إلى ذويهم. هنا تتلخص مشكلة ابن جزيرة تاروت، الذي اعتقلته السلطات السعودية قبل ما يقارب 7 سنوات، بتهمة المشاركة في الحراك المطلبي الذي شهدته محافظة القطيف عام 2011، يوم كان مصطفى آل درويش في سن السابعة عشرة أي قاصراً.

أكثر من 13 تهمة وجهت للشهيد مصطفى درويش أقلها المشاركة في التظاهرات المطلبية في القطيف، وهي التهمة التي تعد خروجاً على طاعة الحاكم وتستوجب الإعدام في السعودية. وبعد سلسلة محاكمات سرية امتدت 6 سنوات، لم يمنح خلالها الشاب حق الدفاع، توصل القضاء الرسمي لاتخاذ حكمين يكون الموت نتيجة حتمية لهما القتل بـ”حدّ الحرابة” أو “القتل تعزيراً”.
بعد صدور الأحكام، سمحت المحكمة الجزائية المتخصصة والمعنية بقضايا الإرهاب، لدرويش باختيار محامٍ للدفاع عنه وتقديم الطعون في التهم والملابسات، فتسلم والده المحامي هاشم آل درويش مهمة الترافع عن نجله. ورغم المرافعات التي قدم فيها الوالد معطيات وأدلة تثبت براءة ابنه من التهم المنسوبة إليه، لم يكن القضاء ليتراجع عن أحكامه، ليتبين أن المحاكمات أتت سياسية في إطار عقاب جماعي فرض على المعتقلين بقضية حراك القطيف، وبأحكام معدة سلفاً.

ورغم صدور الأمر الملكي بايقاف تنفيذ عقوبات اعدام بحق القصر، وبعد حملة حقوقية دولية حذرت من موجة إعدامات جديدة دفعت منظمات حقوقية لمناشدة الملك بعدم التوقيع على أمر تنفيذ اعدامات بحق القصر منها مصطفى آل درويش، أتى الفعل ليؤكد مفعول التعطش للانتقام من الشعب لدى حكام آل سعود أقوى من كل المناشدات، هنا فقط تفرد سلطة الفشل المتراكم خارجياً عضلاتها، وتنتشي بقتل الأبرياء، فيتضح أن السيف الذي ترفعه السعودية في علمها لا يزال مصلتاً على الرقاب، ولتكشف آخر جرائم الاعدامات في مملكة الدم كيف تتلاعب السلطة بالوعود والادعاءات الرنانة بالاصلاح. تنفق المليارات على عمليات التلميع وتحسين السمعة، لتحرق كل ما أنفقته بقرار واحد يعيد تركيب صورة إجرامها المزمن.

اساسي