مرّ أسبوع على اعترافٍ خطير لنائب الحزب التقدمي الاشتراكي بلال عبد الله على قناة الجديد في برنامج “هنا بيروت” عندما قالت له الصحافية رواند بوخزام “على رأس من هرّب الأموال هو رئيس الحزب وليد جنبلاط”، فردّ بكل وقاحة “صحيح، معو حق، ما منخبّي هالشي، وليد جنبلاط هرّب ٥٠٠ مليون دولار صرفهم بسنتين ليساعد أهله وبيئته ومنطقته ومستشفياته ومجتمعه للصمود ومستمرّ والنا الشرف بهاي الخطوة”. بعدها سألته رواند من باب الاطمئنان “عم يقدر يسحبهم بالدولار؟”. بعدها أخذ الإعلام اللبناني جرعة اسمها “صُمَّت الآذان وبُلعت الألسن”، ولا زال مفعولها حتّى اليوم.
بعيدًا عن أن هذا الكلام يوجب الاستدعاء ومعرفة من أين يملك جنبلاط ٥٠٠ مليون دولار في الأصل، وبعيدًا عما يفعله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بتعزيز فكرة الكونتونات والتقسيم المناطقي على قاعدة “اللهم نفسي ومنطقتي”، فمل نرَ أحدًا التفت إلى الاعتراف الأخير.
مرّت كأنها لم تكنّ، ورواند أكملت المقابلة بشكل طبيعي. الجديد في مقدمة نشرتها كالعادة هاجمت باسيل وحزب الله، الـmtv منشغلة بتكريمها الأميركي لـ “مواقفها الوطنية والشجاعة”، الـ LBCI حدّث ولا حرج، لا عتب. وأمّا بطل مكافحة الفساد رياض قبيسي فلم يعطِ الموضوع أكثر من دقيقة في حلقته الأخيرة الساعة والنصف، كان منشغلًا بـ “فضح مقاولين شركاء للنائب جبران باسيل”، و”المنصّات المستقلّة”، فليس من مصلحتها نشر الفيديو وهدم ما تم بناؤه، وإيران لا علاقة لها بالموضوع فلم نرَ مجموعات المجتمع المدني تستنكر، أمّا ثوّار الطرقات فلم يأتهم الأمر بعد بقطع الطرقات ولن يأتيهم.
المحطّات الإعلامية التي تتنافس فيما بينها على الأكثر تملّقًا وتزلّفًا لدول الخارج، ولرياض سلامة والمصارف وأغلب السياسيين ورجال الأعمال الفاسدين وبعض القضاة.
هي المحطات نفسها التي لا تفوّت فرصة في أي برنامج يومي لها، وأي نشرة من نشراتها، باستثناء النشرة الجويّة فقط، لمهاجمة حزب الله والتيار الوطني الحرّ،
والتي تفتح هواءها دائمًا للفتنة، لشتم أم النائب جبران باسيل، للاستهزاء برئيس الجمهورية ميشال عون، ولمهاجمة السيد حسن نصر الله.
كما أنها هي التي ضجّت بالهجوم على القرض الحسن وقروضه الميسّرة للمحتاجين، والتقليل من قيمة بطاقة السجّاد والبنزين الإيراني، وأيضًا ضجّت بـ “دبكة” و”كاتو” وزير الصحة السابق حمد حسن، وبحفل زفاف ابنة النائب السابق نوار الساحلي، غابت عنها جريمة موصوفة، جريمة قتل بحق شعبٍ بأكمله، غاب عنها اعتراف نائب في البرلمان اللبناني بأن رئيس حزبه هرّب ٥٠٠ مليون دولار الى خارج البلد -لو أنّ وفيق صفا له يد في الموضوع، لفتحت الجديد التحقيق والاستديوهات حوالي الـ ٣٠ ساعة في النهار الواحد- هرّبها وليد جنبلاط في زمن الانهيار والبلد ينازع الموت، أخرجها من المصرف في وقتٍ يُحرم على أي مودع أن يأخذ وديعته من أجل علاج أو تعليم.
ما حصل من سكوت تام في الأيام الماضية، يثبت فرضيّة أن أصحاب المحطّات التلفزيونية كلهم شركاء، كلهم هرّبوا، كلهم مأجورون، حسب الشخصيّة وحسب الفريق السياسي يهاجمون أو يغيبون عن الوعي.
يثبت أيضًا أنّنا في ظلّ نظامٍ وضعوه بحسب أهوائهم ومصالحهم “غبّ الطلب”، وفي ظلّ طبقة سياسية فاسدة، وقضاءٍ تجاهل قضية كهذه، وإعلامٍ متواطئ، ستمرّ فضائح ومصائب أخرى مرور الكرام، أيضًا ممكن أن يدرج جوائز مستقبلية لأصحابها.