الدكاكين: رفوف تحدّث عن الأزمة

كان الدكان بمثابة ملجأً للفقراء، إذ يجدون فيه غالبية المواد التي يحتاجون إليها، فهو المؤسسة الصغيرة التي تلبي احتياجات المواطن اليومية، مع محافظة أصحاب تلك المؤسسات الصغيرة على بيع مختلف النوعيات من السلعة ذاتها، والتي تتراوح ما بين الجيدة والغالية الثمن، والرديئة ذات الثمن الرخيص، وما بينهما.

أما اليوم، وقد أصبحت المواد الغذائية متوسطة الجودة تباع بأغلى الأسعار، يمكن القول إن الدكاكين في حالة احتضار، إذ خلت رفوفها إلّا من الحدّ الأدنى من السلع، وانتفى التنوّع لصالح السلع ذات السعر الأدنى، والذي يتخطى رغم ذلك مقدرة غالبية الفقراء.

“حتى علبة التونة تآمرت علينا وصار سعرها 24000 ليرة”. هكذا عبر جندي في الجيش اللبناني، وقد أصبح راتبه يعادل 60 دولارًا أميركيًّا فقط! وبنفس التعب يتحدث الكثيرون، ولعل في الدكان مرآة تعكس الأزمة بصورة عالية الدقة. إذًا، وجهتنا دكان الحي.

يُعرف “دكان الحي” بكونه مؤسسة تجارية بسيطة عنوانها الأحياء المتواضعة، تقدّم السلع التموينية التي يحتاجها السكان بأسعار مقبولة. مع تردي القدرة الشرائية لدى معظم الناس مقابل الارتفاع الهستيري للأسعار، باتت زيارة الدكان اليوم تشكل عبئًا ثقيلًا على العائلات. هذا الدكان البسيط الذي يحتوي على عدة أصناف من المواد الغذائية الأساسية كالخبز ومواد التنظيف مرورًا بالمعلبات والسكاكر وغيرها، أصبح اليوم يستعرض السلع كعينات صغيرة كي يتفادى الخسارة. وفي جولة على بعض دكاكين الأحياء والقرى بات واضحًا أن أصحاب تلك المؤسسات الصغيرة في مشكلة حقيقية، فهم واقعون بين عجزهم عن ملء رفوفهم بالسلع بسبب الغلاء والتغير اليومي للأسعار، وبين عجز الزبائن عن الشراء.

قام صاحب دكان في حي جنوبي متواضع بمقارنة بسيطة بين أسعار السلع حين كان سعر صرف الليرة مستقرًا على الـ 1515 ليرة وبينها اليوم اليوم، وقد تخطى الدولار الـ 23 ألف ل. ل. “عندك علبة الدخان الرخيصة كنت بيعا ب 750 ليرة وماكسيموم 3000 ليرة اذا كانت غالية، اليوم صرت بيعا ب 11 ألف والغالية فوق ال 30 ألف”. وهذا الفرق الشاسع في السعر ينسحب على كل ما يمكن شراؤه. وبالتالي اضطرت المؤسسات الصغيرة إلى الاكتفاء بكميات محدودة من السلع، وبنوعيات وماركات محدودة.

وإلى دكان المدرسة
في بعض المدارس تم الاستغناء عن الدكان بشكل نهائي كي لا يشعر التلميذ بالنقص أمام رفاقه من جهة وبسبب التكلفة العالية للسلع من جهة أخرى، بالإضافة إلى العامل الصحي الوقائي، وبالتالي تجنّب الازدحام والاختلاط بسبب كورونا. يكتفي التلاميذ اليوم بما يحضرونه معهم من بيوتهم، وبغالبيتهم لا يتعدى الزاد اليومي “سندويش زعتر”، مع وجود أعداد كبيرة من التلاميذ الذين يعجز أهلهم عن وضع أي طعام في حقائبهم!

ماذا عن أصحاب الدكاكين؟
أصحاب الدكاكين يعانون من الأزمة كغيرهم من الناس، ولا سيما أولئك الذين يرفضون استغلال الأزمة لزيادة هامش أرباحهم بعضهم وعلى الرغم من سوء الحال خصّص رفًّا للمواد المجانية، ولا سيما الخبز، بعد أن تخطى سعر الربطة قدرة الكثيرين على الشراء. وبعضهم يشهد احتضار مؤسسته ومصدر رزقه ويحاول قدر الإمكان المحافظة عليها. كلّ ذلك في ظل تفاوت مريع في الأسعار بين دكان وآخر. وهذا التفاوت يعد معيارًا حقيقيًا لقياس مستوى ضمير صاحب الدكان وطريقة تعاطيه مع الأزمة.

حتى الأمس الذي ليس ببعيد، كان يمكن أن يشتري الفقير كفاف يومه من دكان الحي، وأن ينعم أطفاله بقطعة سكاكر من دكان المدرسة، إلا أنّ الحال تبدّل، وصار الدكان رفوفًا تكاد تخلو إلا من الضرورات التي قد يطول مكوثها على الرف، وقطعة السكاكر صارت صورة في عيني طفل يشتهي، ولا يستطيع لنيلها سبيلًا.

اساسي