يكثر الحديث عن الانتخابات كحدث مفصلي في الخارج قبل الداخل، خاصة بعد الأزمة التي يعيشها لبنان، والتي تتداخل أسبابها بين الداخل والخارج، أو إذا تكلمنا بشكل أدق يُنفذ بعض الداخل ما يريده الخارج. ولعل سبب الحماسة للانتخابات الذي لم يعد سرًّا هو استكمال لمسار معتمد لكن تتغير أساليبه ألا وهو النيل من المقاومة ومن يدور بفلكها في لبنان بالقدر المستطاع؛ فبعد أن عجزوا عن القضاء عليها وفشلوا في محاصرتها، اليوم يحاولون من خلال الانتخابات قلب الأكثرية كبداية لتحقيق أهدافهم كما يعتقدون.
العمل بدأ هذه المرة من انتخاب المغتربين ومضاعفة الاهتمام بهم واستخدام كل الوسائل من أجل تشجيعهم على الانتخاب باعتبار القدرة بالضغط عليهم في الخارج أكبر منها في الداخل. فالأساليب معروفة، إما بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب، كما صنعت بعض الدول الغربية، أو بالتهديد بالطرد، ليس فقط من العمل إنما من البلد كله كما تفعل دول عربية. إجراءات كفيلة بالتأكيد على عدم تكافؤ الفرص تؤثر على نتائج الانتخابات مهما كانت نسبتها، ورغم ذلك قبِل بها حزب الله وأعلن ذلك السيد حسن نصر الله، رغم أنها لا تصب في مصلحة المقاومة.
مؤشرات مضاعفة الجهد بدأت من عدد المسجلين في الخارج لانتخابات عام ٢٠٢٢ الذي زاد أضعافًا عن انتخابات عام ٢٠١٨ ، حيث أعلنت وزارة الخارجية أنه بلغ ٢٤٤.٤٤٢ ناخباً تمت الموافقة على ٢٣٠.٤٦٦ منهم لاستيفائهم الشروط المنصوص عليها للتسجيل.
هذه النسبة العالية كانت كفيلة بأن تتصدر مشهد التحضير للانتخابات ويتصدر معها الحديث عن مصلحة المستفيد منها خاصة في أميركا وبعض دول أوروبا وبعض الدول العربية، وتحديدًا الخليجية، التي يتم ترهيب اللبنانيين فيها وتهديدهم بوظائفهم كما بات معروفًا.
لكن رغم كل ما يحصل تبقى النتائج غير مضمونة وغير محسومة وفي سياق الافتراضات والتوقعات، خاصة وأنه رغم عدم تكافؤ الفرص تجد أن حظوظ المقاومة قوية حيث لا يوجد ضغوط مثل أفريقيا وحتى في بعض دول أوروبا.
وفي ظل المشهد الاغترابي الذي يجعلك تسأل كيف ستعيد المقاومة التوازن وترجح الكفة لصالحها، لعلنا نجد خططًا بديلة كالتي بات حزب الله بارعًا فيها في الداخل اللبناني والتي اعتدنا عليها في الأزمة الأخيرة، خاصة وأن الماكينة الانتخابية للحزب ستكون مؤلفة من الآلاف ما يعني بذل جهد مضاعف في انتخابات يعتبرها الطرف الآخر مصيرية.
هذا الجهد وهذه القوة على ما يبدو يسلم بها الطرف الآخر الذي اقتنع بعدم قدرته على الوقوف بوجه المقاومة في بيئتها فانصرف في عمله للضغط على حلفائها لسحب الأكثرية منها (البيئة المسيحية تحديدًا).
إذًا، معركة جديدة تنتظر المقاومة في لبنان. لكن مهما اشتدت صعوبتها يغيب عن بال البعض أنهم يواجهون مقاومة اعتادت على خوض أصعب المعارك والمواجهات بمختلف أنواعها، والانتصار فيها.