تتفاعل الأزمة الدبلوماسية بين لبنان والسعودية بعد المبادرة الفرنسية للتوسط والتي جعلت من استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي مدخلًا لها.
وفي ظل هذه الأزمة بين البلدين العربيّين، غابت أزمة العراق الداخلية عن الاهتمام بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي لم تحسم نتيجتها النهائية لشكل توزيع المقاعد النيابية، خاصةً في ظل استمرار الاعتصامات الشعبية الداعية لإعادتها أو تصحيح النتائج بعد الأدلة على التزوير، وهو ما أكده المؤتمر الصحفي الأخير لقوى الإطار التنسيقي.
وفي ظل الانقسام الداخلي الحاد على نتائج الانتخابات وشكل الحكومة المقبلة، وحرب التغريدات بين أبو علي العسكري والسيد مقتدى الصدر، ومعركة شد الحبال، فوجئ الجميع باللقاء التشاوري الذي جمع قوى الإطار التنسيقي مع السيد مقتدى في منزل هادي العامري في الثاني من الشهر الجاري.
هذا اللقاء جمع بين الزعيمين المتخاصمين مقتدى والمالكي، فما هي الأسباب التي دفعت السيد مقتدى الصدر إلى الحضور؟ وما هي مخرجات هذا اللقاء؟
هنالك عدة احتمالات، الاحتمال الأول والأبرز هو لفتح كوة في الجدار بين القوى المتخاصمة، وبالخصوص الشيعية، خاصة بعد شحن الشارع والحديث عن رغبة خارجية بالاقتتال داخل البيت الشيعي، أو أقله الانشقاق والتصدع، وبالتالي إتاحة الفرص للخصوم في السياسة، فكان لا بد من صورة جامعة ولو كانت على أسس وأفكار متناقضة، وهو ما ظهر من خلال التباين بين بيان الإطار التنسيقي عن الاجتماع، وبين تصاريح مسؤولي التيار الصدري، وكذلك تغريدة السيد مقتدى فور الخروج من اللقاء والتي شدد فيها على المطالبة بحكومة أغلبية برلمانية، على عكس ما جاء في بيان التنسيقي والذي أكد على ضرورة حكومة توافقية.
هذا التباين في المواقف السياسية، وضع اللقاء في إطار تنفيس الشارع لا أكثر.
الاحتمال الثاني قد يكون أن حضور السيد الصدر جاء بعد إصرار الكرد والسنة على ضرورة الاتفاق مع الأطراف الشيعية الأخرى كشرط للتحالف مع الصدر وعدم السير في تشكيل حكومة أغلبية تقصي باقي الأطراف الوازنة في الشارع العراقي والشيعي تحديدًا.
أما الاحتمال الثالث فقد يكون استجابة لطلب المرجعية الدينية في النجف لضرورة التوافق وعدم التصادم لأنه ليس في صالح أحد من الأطراف، وهو ما ألمح إليه بعض المسؤولين في التيار الصدري من ضرورة الرجوع والاحتكام للمرجعية الدينية في العراق.
ويرجح بعض المراقبين أن يكون التوافق على حكومة توافقية قد تم، وأن الحديث عن حكومة أغلبية هو فقط للاستهلاك الاعلامي لا غير ومجاراة للشارع المؤيد للصدر والمطالب بتشكيل حكومة صدرية خالصة كما درج الشارع على تسميتها.
وقد يستتبع هذا اللقاء بلقاءات أخرى، وقد يعقد المرة القادمة في الحنانة أي في الجهة الصدرية استكمالًا ربما للتوافق على شكل ومسميات الحكومة، إضافة إلى المخرج الذي يرضي كل الأطراف بنتائج الانتخابات في حال كان التوافق سيد الموقف.
من جهته يستكمل الإطار التنسيقي معركته الشعبية من خلال استمرار الاعتصام المطالب بتغيير نتائج الانتخابات، والمعركة القانونية من خلال الدعوى المقدمة من قبل هادي العامري رئيس كتلة الفتح، والتي طالب فيها بإلغاء نتائج الانتخابات. وقد حددت المحكمة الاتحادية يوم الاثنين بتاريخ 2021/12/13 للنظر بالأدلة والوثائق المتعلقة بطلب إلغاء نتائج الانتخابات.
وعلى الرغم من المشهد الذي يوحي بمزيد من التفاهمات، إلا أنه لا يمكن التغافل عن سيناريوهات أخرى قد تقلب مجريات الأحداث رأسًا على عقب، خاصة في بلد كالعراق يعيش على بركان من التناقضات يخرج من حممه عند كل حدث ولو صغير مقارنة بمساحة الوطن كما حصل في أربيل خلال مباراة كرة القدم بين نادي الشرطة ونادي أربيل والاحتجاج على رفع العلم العراقي والاعتداء على نادي الشرطة ومشجعيه وكأنهم في بلد آخر وليس العراق!
باب الاحتمالات واسع، والأيام القادمة حبلى بالأحداث، قد تحمل ولادة حكومة توافقية، وقد تفجر اغتيالًا سياسيًا على غرار اغتيال رفيق الحريري في لبنان، الذي ولّد في هذا البلد احتقانًا سنيًا شيعيًا، فهل يشهد العراق اغتيالًا يفجر اقتتالًا شيعيًا – شيعيًا لم يحصل إلى اليوم، وهو ما نأمل أن لا يتحقق مع الأيام القادمة؟