تحقيق: اليمن والجوار

الجغرافيا، التاريخ، الديمغرافيا، الاقتصاد، الأفكار والثقافة، القدس والقضية الفلسطينية، كلها عوامل دفعت القوى الإمبريالية والصهيونية ووكلاءهما، لشن هذه الحرب القاسية على الشعب اليمني وقواه السياسية الحية.

أولًا: موقع اليمن في الجغرافيا السياسية
يقع اليمن في الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية. وما يضاعف أهمية موقعه إطلالته المباشرة على مضيق باب المندب، حيث يقع المضيق بين دولتي اليمن وجيبوتي، ويفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويتوسط القارات الخمس. وتبرز أهميته أيضًا في أنه يصل الخليج الفارسي ومضيق هرمز بالبحر الأحمر، ويصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأبيض المتوسط من الجهة الأخرى.

ثانيًا: تأثير اليمن على دول الخليج العربية

  • الاقتصاد
    يتمتع اليمن بثروة نفطية ضخمة، إضافة الى كميات تجارية هائلة من المعادن على رأسها النحاس والذهب، وثروات أخرى تحول ترابه بالكامل تقريبًا الى منجم كبير. وتميزه إطلالته على بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر مما يجعل استخراج وتصدير هذه الثروات الباطنية منخفض الكلفة وآمنًا نسبيًا، حيث يبتعد عن التوترات في الخليج الفارسي ومضيق هرمز.
  • الديمغرافيا
    يقال إن أصل العرب من اليمن. ويمتلك هذا البلد شعبًا فاعلًا نشيطًا متعدد المواهب في الاختصاصات العلمية والفنية. ويعمل الكثير من أبنائه في دول الخليج العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لذلك تخشى هذه البلدان من امتداد أي أفكار أو أيديولوجيات جديدة في اليمن الى مجتمعاتها عبر القنوات الديمغرافية للانتشار اليمني.
  • السياسة
    لطالما سعت دول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية، الى إضعاف المركز السياسي لليمن، عبر خلق بيئة شعبية أيديولوجية تشكل ثقلًا سياسيًا في البلاد، عبر نشر العقيدة الوهابية وإنشاء مدارس لها ودعمها وتمويلها، إضافة الى استقطاب الكثير من القبائل عبر تمويل زعمائها، ودعم العديد من القوى السياسية المحلية. بالمختصر هي سياسة فرق تسد التي انتهجتها منذ السبعينيات الى اليوم، لمنع تكوّن قوة سياسية وازنة منافسة لنفوذها في الخليج.
  • الثقافة
    يعتبر ظهور قوة سياسية ذات بعد ثقافي تمتلك بيئة اجتماعية حاضنة تهديدًا قويًا لأنظمة الحكم التقليدية الريعية في الخليج، إذ قد تنتشر هذه الأفكار عبر القنوات الشعبية الى هذه الدول، فضلًا عن ذلك يوجد احتمال أن تتمكن هذه القوة السياسية من حكم اليمن، واستغلال موارده وثرواته وطاقته البشرية في الدفع بالبلاد الى تكوين ثقل إقليمي منافس للنظام الإقليمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ما يشكل تهديدًا استراتيجيًا للدول الخليجية المحافظة.

ثالثًا: تأثير اليمن على إسرائيل
أطلق السيد حسين بدر الدين الحوثي شعار الصرخة: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام، وتزامن إطلاقها مع بداية الاحتلال الأميركي للعراق. ومثّلت أهداف الثورة اليمنية في نصرة قضايا الأمة، وتحديد العدو الأساسي لها، والمتمثّل بالحلف الأميركي الصهيوني، من أجل ذلك حوربت حركة السيد حسين منذ بدايتها، إلا أن الثورة امتدت ووصلت الى السلطة في صنعاء.

ويمثّل خروج اليمن من دائرة النفوذ الأميركي بموقعه الجغرافي المهم خطرًا كبيرًا على كيان العدو الصهيوني، إذ يمكن له في حالة اندلاع أي حرب بين إسرائيل ومحور المقاومة إقفال باب المندب، وقطع خطوط إمداد النفط عنها، إضافة الى التطور الكبير والسريع في الصناعات العسكرية الاستراتيجية للجيش اليمني، لا سيما في مجال الصواريخ الباليستية المجنحة والطائرات المسيّرة التي يبلغ مداها حوالي 2000 كيلومتر، والتي أصبح بإمكانها إصابة أهداف في الكيان الصهيوني، وإمكانية أن تكون قد زودت بتكنولوجيا الصواريخ الدقيقة.

هناك تهديد آخر أهم، وهو إمكانية إلحاق الهزيمة بحلفاء إسرائيل الخليجيين في حربهم على اليمن، وبالتحديد السعودية والإمارات، اللتين تشكلان عماد البيئة الإقليمية الحاضنة لكيان العدو، التي تسعى الولايات المتحدة لتأمينها قبل إعادة تموضع قواتها في المنطقة في خدمة استراتيجيتها لأجل التفرغ للمواجهة مع الصين. هذه الهزيمة سوف تتسبب باختلال التوازن الإقليمي الاستراتيجي لمصلحة محور المقاومة في المنطقة.

رابعًا: تأثير اليمن على الولايات المتحدة
يؤثر ما ورد في العنوانين السابقين على استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن بالنسبة لواشنطن فإن الموقع الجغرافي لليمن له بعد دولي مؤثر في السيطرة على طرق التجارة الملاحية الدولية، وبالتالي في صراعها مع الصين؛ فعبر باب المندب يمر طريق الحرير الصيني البحري، ويتصل بشرق أفريقيا والبحر المتوسط، وللولايات المتحدة مصلحة في السيطرة على هذا الطريق الذي تمر عبره معظم الصادرات الصينية الى معظم الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. ويعدّ ظهور نظام معاد لها في اليمن معضلة استراتيجية، ويفتح باب دخول الصين في علاقات تعاون مع صنعاء، بهدف بناء قاعدة بحرية لها في جزيرة ميون، فيتحقق الاتصال مع قاعدتها البحرية في جيبوتي على ضفتي باب المندب، ويفتح الباب تلقائيًا لروسيا لتعزيز وجودها في حوض البحر الأحمر وشرق أفريقيا. وهذا ما لا يمكن للولايات المتحدة تحمله.

يعد العامل الثقافي الثوري أخطر ما تواجهه الولايات المتحدة ووكلاؤها في اليمن، لذلك سوف تسعى الى الاستمرار في استنزاف حكومة صنعاء. وحتى في حال استطاع الجيش واللجان الشعبية تحرير اليمن من الوجود الأجنبي والإقليمي، والقضاء على عملاء الداخل، ستفرض الولايات المتحدة حصارًا اقتصاديًا وعسكريًا على اليمن، إن عبر العقوبات أو الاتفاقات الإقليمية والدولية، لذلك فالمعادلة صفرية مع الاستعمار وأدواته، وليس أمام محور المقاومة سوى زيادة التشابك الاقتصادي والسياسي والعسكري بين أطرافه لتمتين قوته وتعزيز مكانته في وجه محاولات كسره واستعباد شعوبه الحرة وعلى رأسها أبطال اليمن.

*باحثة لبنانية

اساسيالسعوديةاليمنصنعاءمأرب