استقالة بلا فائدة.. ليتها لم تكنْ

أربعون يومًا مرّ على انتشار فيديو العام لوزير الإعلام جورج قرداحي عندما قال خلال مقابلته تلك الكلمة التي هزّت عروشًا وطيّرت عقولًا، وأخلَت سفارات. كلمة كانت كالصاعقة عليهم، رغم أن الناس تعلم أنّ الوزير تمعّن في اختيارها لتكون حياديّة ولطيفة لا يقصد بها الاساءة أو التهجّم. قال إن الحرب “عبثيّة”، كلمة سبقه إليها رؤوساء دول وحكومات، صحافيون ورجال سياسة لبنانيون، لكنّ لسوء حظّه كان هو “فشّة الخلق”.

أربعون يومًا، والسؤال اليومي هو إذا استقال أم لا. وفي النهاية، استقال كما كان متوقّعًا من البداية. لكن العتب الأكبر أنّه تحمّل ردّات الفعل القاسية سابقًا وكل التدخلات الكبرى الخارجية والداخلية، ليسقط كل ما بناه الآن؟ لكن يُسجّل له أنه سجّل رقمًا قياسيًا في الصمود -أربعين يومًا- أمام الاتهامات والغطرسة والترهيب.

ليتَهُم هم -الذين مارسَوا عليه الضغوط وهاجموه من الداخل- قد رفعوا الغطاء ومارسوا الضغوط على الفاسدين والمجرمين، أو ليتَ جورج قرداحي كان اسمه رياض سلامة مثلًا، أو سمير جعجع، أو اسم أحد أصحاب الكارتيلات المحميين، أو حتى أي اسم مختوم عليه بالأحمر من بعض كبار السياسة أو كبار الدين «ممنوع الاقتراب»، لكان الوضع مختلفًا جدًا. لكن اسمه جورج قرداحي، جرمه كلمة، وسيُكتب عنه في التاريخ لاحقًا أنه كان كبش محرقة لضماناتٍ لم تحصل.

ببساطة، ما حصل هو استكمال لمسلسل الخزي والعار، لطأطأة الرؤوس والذلّ والخضوع لأوامر من نصّب نفسه الذات الالهية عند الدول العربية، خصوصًا عند لبنان، من قبل اندلاع الحرب الأهلية حتى اليوم. هو فرض من فروض الطّاعة التي عزّزها وطوّرها رفيق الحريري مع الوقت.

أما بما يتعلّق بالضمانات، لا ضمانات، ولنا بشربل وهبة خيرُ مثال، لا شيء، بلّ العكس! فبعد استقالته زادت الضغوط والتهديدات.

في أي أسطورة أو كتاب أو قانون دولة تحترم نفسها تسمح لدولة أخرى أن تعاقبها وأن تبتزّها وأن تُقيل وزيرًا من وزرائها بسبب كلمة؟ متى وأين وكيف حصل مثل هذه الحادثة، سوى في لبنان في القرن الواحد والعشرين، في بلد لا زال يعطي المساحة ويجدّد البيعة والولاء لكلّ من يريد أن يصفعه بالطريقة التي يحبّها؟

خطوة سيتحمل على إثرها على الصعيد السياسي اللبنانيون وأولادهم وأحفادهم جميعًا -إلا إذا تغيّر شيء ما- وتحمل معنًى واحدًا، “رغم كل الظروف ورغم أننا لم نفعل شيئًا ولم نخطئ، طوع أمرك، طال عمرك”.

على كل حال هي استقالة لن يستفيد منها وزير الإعلام نفسه، ولن ترفع من رصيد ميقاتي، ولن يتغيّر شيء في سياسة العجرفة ومسار العلاقة الخليجية واللبنانية، ولن تستفيد منها السعودية حتّى، فهي لا تكترث للاستقالة أو عدمها، استقالة سيقطفها المستفيد الأول والوحيد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي سيلتقي ولي العهد السعودي في اليومين القادمين، وسيفتح معه الملفّ اللبناني مقدمًا انجاز استقالة قرداحي ككفّارة وبادرة حسن نيّة له عن تدخله في قضية احتجاز الرئيس الحريري عام ٢٠١٧.

كنّا نحلم بأن يكون للبنان موقف سيادي وحرّ في السياسة، أن لا ينبطح أحد، أن نقول “لا” يومًا ما، أن يكون لدى رجال دولتنا كلمة حق لا هواتف ولقاءات بعدها، إلّا أننا يجب أن نعتاد، كُتبَ علينا ذلك منذ قيام لبنان الكبير، لا نعرف السيادة إلّا بمقاومة تحرس الحدود وتحفظ أمن الوطن، لا نعرف السيادة الا بالدماء والتضحيات.

اساسيالسعوديةاليمنجورج قرداحيلبنان