لم يتغير حال الأردنيين منذ عام 1994 حين وقّع النظام الأردني معاهدة وادي عربة مع الكيان الصهيوني، ولا زالت كلمة الشارع الأردني تنبض بالحرية على ألسنة أردنيين مجتمعين من كافة القوى والحراكات والأحزاب الوطنية على موقف النقيض من التطبيع الأردني الرسمي.
لم تتوقف الهرولة نحو التطبيع منذ وادي عربة، بل إن الحكومات المتتالية كانت تبرم الصفقة تلو الأخرى. ولعل ابرز الصفعات وليس الصفقات كانت اتفاقية الغاز المنهوب التي مررت الى وزارة الطاقة من تحت الطاولة وأخذت حيز التنفيذ دون إقرارها تشريعيًّا من خلال مجلس النواب.
ازداد سخط الشارع الأردني إزاء الموقف الرسمي، وظهر عدد كبير من الهبّات الشعبية والاعتصامات والمظاهرات والفاعليات المناهضة لهذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات. وكان أبرز الحملات واللجان الشعبية المقاتلة من أجل إلغاء الاتفاقيات حملة “غاز العدو احتلال” و”تجمع اتحرّك لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع”.
إلا أن الجانب الرسمي أصر على التمسك بموقفه التطبيعي الذليل، فلم يرضَ أن يكون مرهونًا للصهاينة بالغاز فقط، وإنما جاء للشعب الأردني بكارثة وطنية لا يرى العاقل فيها صوابًا؛
فوسط التكتم الرسمي خرج إعلام العدو ليعلن عن اتفاقية جديدة خطها الساسة الأردنيون معهم برعاية إماراتية أميركية تحمل عنوان إعلان النوايا “الكهرباء مقابل الماء”، وتهدف هذه الاتفاقية الى تعزيز إنتاج الكهرباء النظيفة وتحلية المياه، وتنص على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح الكيان الصهيوني والذي سيعمل بالمقابل على تحلية المياه لصالح الأردن، على أن تنتج الأردن 600 ميغاوات من الطاقة المتجددة فيما يزود الكيان الأردن بـ200 مليون متر مكعب من الماء.
وقد أعلنت الجهات الرسمية في البداية أن ما ينشر إعلاميًّا غير صحيح، نافية وجود اتفاقية جديدة مع الكيان الصهيوني، إلا أنها، وبنفس اليوم، أكدت صحة الخبر المتناقل.
إن هذا التخبط الرسمي لم يقتصر على الإنكار والتأكيد فقط، إذ خرج الوزير السابق للمياه والمفاوض عن ملف المياه في اتفاقية وادي عربة، بتصريح غير مسبوق موضحًا أن هذه الاتفاقية تفتك بمستقبل الأردن وأن الأردن يمتلك مياهًا تحت الطبقة الرملية تكفي حاجة الأردن لـ 500 عام، مؤكدًا أن ما يقارب 85.5 ℅ من هاطل المطر لا يستفاد منه، وأن الأردن ليس كما يقال إنه من أفقر الدول من ناحية الماء.
ويسأل الشارع الأردني لماذا لم يُتحدَّث عن هذه الاتفاقيات في العلن؟ وهل الأردن مجبر بضغط خارجي على زيادة حجم الارتهان والتبعية؟ هذا ولا زال غضب الأردنيين على جميع المنابر يعلو لا سيما بعد اعتقال الأمن الأردني 13 مواطنًا منذ نحو أسبوع من المعتصمين على دوار الداخلية الرافضين نهج النظام بالتطبيع. وقد جسد الشارع الأردني موقفه -أيضًا- في مسيرة كبيرة تجمّع فيها الآلاف في عمان في وسط البلد عقب صلاة الجمعة، وفي الوقت ذاته شهدت معظم المحافظات الأردنية مسيرات رافضه لهذه الاتفاقية.
إن الأردنيين على ثقة بأن هذه الارتباطات مع الكيان الغاصب تشكل تهديدًا لأمن الوطن وتهديدًا لمستقبله أيضًا. وفي المحصلة لم يعد التطبيع الرسمي شكلًا من أشكال السياسة أو الاقتصاد وإنما أصبح نهجًا لجميع الحكومات.