حسين محيي الدين – خاص الناشر |
من لا يقرأ التاريخ لا يفهم الحاضر ولا يستشرف المستقبل.
تخوض بيئة المقاومة اليوم معركة الصمود الاقتصادي في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية بأذرعها اللبنانية. لن نوضح الواضحات وبديهيات الحصار والعقوبات التي صرح عنها مسؤولون أميركيون وإسرائيليون مرارًا جهارًا نهارًا، لكن لا بد، في هذه الحرب التي نواجهها بـ “الصبر والبصيرة”، من قراءة تاريخ المنطقة لنعي يومنا وننقذ مستقبلنا.
منذ اغتيال ولي عهد الرأسمالية في لبنان “رفيق الحريري” وبيئة المقاومة تتحمل ما لا طاقة للجبال على تحمّله، محكمة دولية ذات مصروف لمدة عقدٍ ونصف من الزمن، إلى الآن فقط -طبعًا من جيوب الفقراء- ثم عدوان تموز 2006 حيث مُرغت كرامة الكيان الذي لا يُهزم بالوحل، ثم محاولة سحب شريانها الأبهر في أيار 2008، إلى أن تكأكأت دول اللوبي الأميركي الصهيوني من عرب وغرب على سوريا الأسد في “ثورة أوباما الوهابية”، فاحتُزت رؤوس العباد، وأُرسلت السيارات والأحزمة المفخخة إلى عين السكة وبئر العبد في ضاحية بيروت. هنا يجب أن نستذكر المجزرة التي استهدفت حينها العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (قده) في آذار 1985، فالتمويل والتنفيذ واحد بفارق الزمن. وخرجت سوريا الأسد وحلفاؤها من معدة هذا التنّين وطحنوا عظامه وأردوه صريعًا.
كل هذه الكمائن الأمنية والحروب كانت بحاجة طبعًا لآلةٍ إعلاميةٍ، كما عند كل حدثٍ يدغدغ اختلاجات الرأي العام، شعارات فضفاضة، أموال وسلاح، على صفيح بركان حرية الشعوب في تقرير مصيرها، والمستفيد “اللوبي الأميركي الصهيوني” وشركات تصنيع الأسلحة ودولها. نفس الوجوه في الإعلام، نفس التقارير المنسوخة، ذات موشحات التباكي واعتصار الدموع، وجوهٌ كالحة، تُبرِّر للإجرام بحجة حرية الرأي والتعبير، حلقات وحوارات وندوات، ومليارات الدولارات في الإعلام وتوجيه الرأي العام وتحريضه ونفخه، كان ثمنه عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى بين الناقورة وصعدة وما بينهما طبعًا.
أما بعد، فقد أتت ثورة شينكر المشؤومة في تشرين 2019 وما برِحت هذه البيئة تدفع ثمن الملح على جراحها، حوصرت لساعات وأيام في سياراتها على طريق الساحل الجنوبي من قِبل دواعش أشرف ريفي ووليد جنبلاط وبهاء “يا قوم” الحريري، وعلى طريق البقاع في سعدنايل وتعلبايا من الفئة الباغية ذاتها، وكان جنود ومجندات دوروثي شيا أبواق التحريض على قطع الطرقات والتبرير للجريمة، يخدمون ماكينة البترودولار الإعلامية تحت راية حرية الرأي والتعبير؛ مئات الناشطين والصفحات الممولة على مواقع السوشيل ميديا، وغرف عمليات على الواتس آب لشيطنة حاضنة المقاومة، إلّا أن كفًا واحدة مجيدة كانت تعادل أن يأتي ديفيد شينكر إلى بيروت ويجتمع افتراضيًّا بوجوه ثورته ويوبِّخهم أيما توبيخ على فشلهم وسرقتهم لـ “المنقوشة والسوشي”.
صفّحت البنوك أبوابها، وسرقت أموال الناس، انفجرت نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت (الحمد لله زمط ولم يسموه باسم المرحوم)، بعد فترة قُتِل لقمان سليم في ظروفٍ هاتفية غامضة، تلاعب أبناء السوء بسعر السوق، وهرّبوا المحروقات، وعاثوا في السوق السوداء سوادًا كقلوبهم، على الضفة المقابلة فتح الحزب أبوابه في جمعية القرض الحسن وأجّل مهل تسديد القروض، أتى بقوافل المواد الغذائية إلى مخازن السجاد، أبحر ببواخر المازوت الإيراني وداس قانون قيصر وسايكس – بيكو، شكّل حكومة ليستقيم البلد. قُتِل أهل المقاومة في برجا وخلدة والطيونة، ولم ينبس جراميز شيا ببنت شفة تضامنًا مع الدم البريء، بل تسابقوا في الهضامة بأن دافعوا عن الألعوبة القضائية “طارق البيطار”.
كل هذا وأبواق محمد بن منشار وكتاكيت دايفد هيل، يتهمون الحزب بأنه سرق جنى عمر الناس، وأنه قتل معارضًا له، وتولت قنوات الانحطاط الإعلامي الترويج الطائفي للتمييز بين ضحايا انفجار المرفأ. أما بالنسبة لثورة الميمز والـ “هيلا هيلا هو” فهواء وخبث مراسلين مباشر وتلقين أرعن من الإستديوهات حتى سقط الجميع من عين شعب المقاومة.
قد يسأل سائل لماذا كل هذا؟ الجواب سهلٌ ممتنع “لأننا كل ما قاموا يقتلونا نفضناهم بدن قيامًا وقعودًا”. والله صعبة، صعبة كتير.
عودٌ على بدء، في الحرب الاقتصادية التي نخوضها اليوم، توازيًا نخوض معركة الرأي العام، الصبر والبصيرة هنا، الترابط المادي بين الحصار والتجويع من جهة والرأي العام من جهة ثانية، أفتك وأمضى من الغارات الجوية، مئات ملايين الدولارات، مئات المنصات المفتوحة، عشرات حلقات الـ “black comedy” والتنميط المبطّن والمعلن، تكرار معزوفة تجارة المخدرات أسبوعيًا في الإعلام الخليجي – الطحنوني، أكذوبة الاحتلال الإيراني وهيمنة حزب الله، إسقاط قناة المنار عن قمري عربسات ونايل سات، وقرصنة مواقع قنوات الإعلام المقاوم الإلكترونية مؤخرًا، ثم العقوبات الأميركية – الأوروبية المتجددة، كلها تزول بمضاعفة العمل، بتبادل الأفكار، بالفيديوهات التوعوية، بالمقالات. اليوم بالذات تعالَوا إلى جهدٍ سواء، تعالوا عن كل الخلافات والمناكفات السابقة، الله الله في نظم أمرنا، معبر الأكثر من ألفي شهيد وآلاف الجرحى ومفقودي الأثر الذي داس وحرق سايكس – بيكو لا يسقط في وهم معونات دايفيد هيل ولا جغولية إيمانويل ماكرون.