تتركز الحركة السياسية و”الدبلوماسية” حول استحقاق الانتخابات النيابية في لبنان، وتكاد تشكل المصبّ النهائي لكل الأزمات والملفات الاقتصادية والإدارية والقضائية والاجتماعية. ولا نبالغ في القول إن هذا المصب يفترض الدافعون إليه أنه يؤدي إلى محاصرة حزب الله وعزله.
من جهة أخرى يفترض فريق متمحور حول الحزب أن عليه القيام بخطوات هجومية للإمساك بالملفات والتصدي لها لحماية البلد من مفاعيل الأزمات.
نسارع في القول بما خص موضوع الانتخابات إن موازين القوة البرلمانية تشكل صفر تجاه أي قضية مصيرية، سواء كانت هذه الموازين تميل لصالح فريق محور المقاومة أو العكس، وهذا بسبب تركيبة لبنان ونظامه السياسي – الاجتماعي، حيث تعجز أي قوى على تجاوز أي مكون فيه، فلا تتشكل حكومة من دون شراكة كل المكونات السياسية والطائفية. وإذا ما أجمعت قوى على عزل فريق لا بد لها من إيجاد بديل يستطيع أن يملأ الفراغ. وهذا على ما يقال في الفلسفة هو “الوجود بالقوة” ولم ندخل بعد على “الوجود بالفعل”. ولنفترض أقصى ما يطمح إليه الدافعون إلى المصب وأنهم نالوا أكثرية نيابية مطلقة تأتي برئيس جمهورية وحكومة تحمل مشروعها وتقوم بما هو مطلوب لعزل الحزب ومحاصرته على غرار ما فعلت حكومة السنيورة عام ٢٠٠٨ ، فهل نتخيل ما هي النتيجة، مع الأخذ في الاعتبار حجم تنامي قوة الحزب منذ العام ٢٠٠٨ إلى اليوم والواقع الإقليمي والدولي المعاكس تمامًا لما كان عليه الوضع في العام ٢٠٠٨؟
إن حجم الأزمات التي تتخبط فيها كل المكونات الاجتماعية في لبنان، والتي يعود مصدرها الأساسي الى طبيعة الكيان الذي أُسس ليكون له دور وظيفي وانتفى وجاءت الخيارات الاقتصادية والسياسية الحريرية لتقضي على آخر ما كان يمكن أن يعوَّل عليه في مثل هذه الأزمات من إنتاج اقتصادي ودولرة كل المعاملات المالية الداخلية، سيجعل أي حكومة تأتي بعد الانتخابات أمام تحديين رئيسيبن الأول مواجهة الأزمات المتفاقمة، ولا يبدو أن لدى القوى السياسية و”المجتمع المدني” من يملك تصورًا للخروج من الأزمة إلا بالاتكال على مساعدات دولية وعربية لن تأتي وحوكمة رشيدة لا تملك شيئًا إلا ما تعتقده من معرفة وحسن سيرة، وليس عندها ما يمكن أن يتشيّأ إلى مادة ملموسة في أي مجال.
التحدي الثاني هو تنفيذ الرزنامة المطلوبة أميريكيًّا وغربيًّا وغربيًّا تجاه الحزب. وهؤلاء جميعًا، وعلى مدى عقدين، عجزوا عن ذلك بما فيهم الكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين. فبأي قوة ستواجه الحكومة المعوَّل عليها هذا التحدي؟ وهنا يطرح سؤال: هل أميركا والغرب يجهلان هذه الحقيقة ليراهنا على الانتخابات؟! بالطبع لا، وأقصى ما يطمحون إليه هو خلق واقع يشكل استنزافًا وارتباكًا لدى الحزب. ولكن هذا يفتح بالمقابل الطريق أمام الحزب لكسر هذه الحلقة، وما كانت باخرة المازوت سوى مؤشر أخذ بعين الاعتبار حساسية الكيانيين المقرّبين قبل المعادين.
وفي هذه الحال هل يرضى الأميركيون والغرب ومَن معهم بهذه النتيجة؟ بالطبع لا، ولكن هذه آخر أوراقهم، ولم يعودوا يملكون غيرها بعد أن استعملوا كل الأوراق من العدوان عام ٢٠٠٦ والحرب على سوريا والحراك المدني وصولًا إلى “١٧ تشرين” والحصار المالي والاقتصادي ومنع استثمار الموارد الطبيعية من نفط وغاز فضلًا عن منع لبنان من قبول العروض الإنمائية في الطاقة والتنمية من الغرب والشرق.
فهل نبقى في ما يشبه الحلقة المفرغة؟ للأسف نعم ما دامت القوى السائدة في المكونات اللبنانية لا زالت تعيش وهْم عودة الريع، مع أنها بدأت تظهر فيها تفسخات سوف تكبر مع اشتداد الأزمات من جهة والمبادرات الإيجابية لإيجاد الحلول من قبل الحزب من جهة أخرى.
أما أخذ المبادرة من قبل الحزب في الشروع لتنفيذ ما قدمه من مشاريع ولم يؤخذ بها من قبل الحكومات حتى التي حسبت في السياسة أنها تتبع له فيشترط نضوج قوى فاعلة في المكونات الأخرى تحرص على مصالح بيئاتها الاجتماعية. وما دون ذلك تكون المبادرة قبل أوانها مساهمة في الدعاية المضادة التي تروج مقولة “تقويض الدولة”، فضلًا عن عبء كبير وموروث يتمثل بالجسم الوظيفي في الكيان والمؤسسات الإدارية والعسكرية والأمنية. لذا لا يمكن أن تأتي المبادرات إلا في حالات تفاقم الأزمات الحياتية الأساسية مثل أزمة الماء والدواء والخبز والمحروقات والكهرباء.
حتى الآن لا يبشر المسار السياسي بقرب الحلول، والمنخرطون بالعملية الانتخابية والنزاعات الشكلية حول إجرائها يدورون في حلقة أوهام وحسابات ضيقة لا تشكل حتى حصوة في مواجهة الأزمات.