لا يملك أحد حق المزايدة على سوريا الصامدة أمام أعتى استهداف واجهه بلد بسبب خياراته وصموده والتزامه بمقاومة الهيمنة وعدم التفريط في الثوابت وعدم التخلي عن الحلفاء. ولكن من حق أنصار سوريا المقاوِمة الإدلاء بآرائهم وتصوراتهم كشهادة حق وإبراء للذمم مع كامل الاقتناع بوجود معلومات ومعطيات تبقى حصرًا بيد صانع القرار، وقد تجبره أو تعيقه عن التوافق التام مع جمهور المقاومة وأشواقه ورؤيته.
ونحن هنا ننحاز لخيار وسطي بين خيار المزايدات الذي يتنوع بين المخلصين وبين المغرضين، وبين خيار الصمت المطبق بدعوى المصلحة والتسليم التام لمتخذ القرار، وهو ما نجد أنه سلبيّ أيضًا، لأنه يُفقد متخذ القرار أحد أهم المعطيات وهو الحالة الجماهيرية وقياسها، ناهيك عن كونه مفيدًا في توضيح بعض الأبعاد والتي يمكن أن تستكمل الصورة لدى صاحب القرار ويمكن أن تشكّل رأيًا استشاريًا من عدة آراء مطروحة أمام صاحب القرار للمفاضلة بينها.
وهذا الخيار الذي ننحاز إليه هو خيار الإدلاء بالرأي مع التأكيد على الثقة في صانع القرار وحكمته وحنكته وشجاعته، والتي لم تتولد من فراغ بل تستند إلى حقائق التاريخ والحاضر.
هنا، يمكننا الولوج مباشرة في ما نود قوله لو تصورنا نظريًا أننا مستشارون للقيادة السورية وطُلب منا الإدلاء برأينا في تقدير الموقف الراهن والذي أصبحت أبرز علاماته هي العدوان المتكرر والروتيني للعدو الصهيوني.
وهنا يمكننا أن نتحدث عن تقديرنا وما هي معطياته وتقدير عواقبه ونتائجه، ونترك الحق لأصحاب القرار في التقييم والتقدير واتخاذ القرار اللازم:
وتقديرنا هو أن الصبر الاستراتيجي على العدوان الصهيوني مراعاة لأولويات الجبهات والوضع السياسي الإقليمي والدولي وللتوقيت والمكان المناسبين للرد، قد آن الأوان لأن يتم تعديله بردود سورية مناسبة، بحيث تقطع الطريق على هدف العدوان المتكرر وتفشل استراتيجيته وأهدافه.
ولمزيد من التوضيح يجدر بنا التفصيل في عدة نقاط:
1- هناك رأي عام لجمهور المقاومة ربما يتأثر سلبًا بتكرار الانتهاكات دون رد، وتتشكل لديه قناعة بفجوة كبيرة في ميزان القوى، وهي قناعة نراها خاطئة ولا تعكس التراجع الإسرائيلي والانكماش الحادث له بفعل تنامي محور المقاومة وتثبيته لمعادلات الردع، وهو ما ينبغي تصحيحه للحفاظ على معنويات الجمهور وثباته ومقاومته لسيل الدعاية والحرب النفسية المضادة.
2- مجمل التحركات الاسرائيلية بلحاظ موازين القوى الجديدة لا يشي بفائض قوة صهيوني، بل يشي بارتباك ومحاولات لتثبيت أوضاع دون تفاقم في خلل موازين القوى، أي كل الهدف الإسرائيلي هو عدم وصل الجبهات وانتشار محور المقاومة على الأرض لأوضاع أسوأ بالنسبة للعدو، وبالتالي لا يجب التفريط في نقطة القوة التي وصلت لها المقاومة وعدم السماح للعدو الاسرائيلي بتثبيت معادلاته والحيلولة دون تنامي انتشار سوريا وحلفائها وتموضعها في مواقع استراتيجية هامة.
3- هناك أبعاد سياسية للاعتداءات الاسرائيلية ومنها تصوير سوريا على أنها نظام مارق ومخالف للشرعية الدولية و(متحالف مع الارهاب)، وبالتالي تثبيت معادلة مفادها أن القصف الصهيوني شرعي ومتوافق مع النظام الدولي وأنه دفاع شرعي عن النفس لأخطار متعلقة بما هو أبعد من سوريا وتتعلق بملفات أخرى دولية مثل حزب الله وإيران وملفها النووي، وهو خلط للأوراق، ينبغي في مقابله عدم التسليم سياسيًا بهذه المعادلة ومواجهتها بشكل قانوني وشرعي عبر تثبيت معادلة للدفاع الشرعي السوري عن النفس والوصول بالأمور لحافة الهاوية التي لن يجرؤ العدو على تجاوزها في حالة وجود رد مؤلم ومؤثر ومناسب يمكن انتقاؤه دون فتح جبهة حرب كبيرة لا تلائم الظروف الراهنة.
4- ينبغي ربط التقارب العربي مع سوريا بإدانة الغارات الصهيونية وتحويل القضية إلى قضية عربية وعدم السماح لدول تدعي التقارب مع دمشق بالإفلات من مسؤوليتها وعدم السماح لها بالخداع واللعب على جميع الحبال.
إن الرد السوري على الانتهاكات نراه ملائمًا للظروف الإقليمية والدولية الراهنة والتي لا تتوفر لجميع الأطراف بها القدرة أو الرغبة على مواجهة كبرى، ونراه ردًّا سيعجل من الخلاص من الأزمة السياسية وتجميد ملفاتها ويعجل باستعادة النظام للسيادة ووحدة الأراضي السورية، وتثبيت معادلات تجبر العدو على احترام هذه السيادة وعدم خلط الأوراق.
ولو كان هناك هامش لخطأ التقدير يؤدي للانزلاق لمواجهة كبرى يريدها العدو -وهو لا يتسق مع المعطيات الراهنة- فإن المعركة لن تكون في صالحه وسيكون هو من عجّل بزواله الحتمي.