على ذمة “لوحة الجلاء” في نهر الكلب، يصادف اليوم، الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، ذكرى استقلال لبنان عن فرنسا. ويمكن صياغة هذه الذكرى بعبارة أكثر التصاقًا بفحواها، كأن يُقال مثلًا، هي ذكرى استقلال لبنان العظيم عن فرنسا العظيمة، أو لنقل ذكرى فُطام الابن البار عن الأم الحنون، أو مثلًا، في مثل هذا اليوم قامت فرنسا مشكورة بالانسحاب من لبنان الشاكر دومًا بعد أن نكّلت بناسه، “بس المسامِح كريم”.
طيّب، لنسلّم جدلًا بجدية هذا الاستقلال بالذات، خاصّة لأنّه استحال موضوعًا خطابيًا وشعاراتيًا بامتياز ولا سيّما في الفترة الأخيرة، إذ أتيح لنا أن نتفرّج على عدّة فرق مسرحية يقوم عملها على “التخبيص” في ما يتعلّق بكل البديهيات وبكل المفاهيم التي تلازم عبارة “الاستقلال” كالسيادة والحرية والحمص بطحينة.
هيا بنا كي نلقي نظرة على صندوق العجائب، وقد اخترنا لكم سبعة مشاهد موحية تُظهر الاستقلال بشكل سوريالي جميل. نبدأ؟
المشهد الأوّل: كمامات شيا و”شويّة مونة”
في العادة يرتبط مفهوم الاستقلال بمفهوم الكرامة الوطنية بشكل لصيق، وكذلك هو مفهوم لا ينفصل عن الحرية بمعناها الأشمل. طيب، هل تعلم عزيزي المواطن الحافظ للأناشيد الاستقلالية ومنها “وطني استقلّ وما أُحيلاه عزيزًا مستقلّا!”، أن من شدّة كثافة الاستقلال اللبناني، لا يحق للبنان الدولة أن يقبل بهبات ومساعدات تكفل تسليح الجيش الوطني بالحد الأدنى مما يحتاجه كدولة وضعتها الجغرافيا على خط تماس يومي مع العدو، فيما يُجبر صانعو الأحداث فيه على التصفيق الحاد والامتنان العميق لقيام دوروثي -ما غيرها، شمطاء عوكر- بتوزيع الكمامات على الجيش اللبناني الذي أظهر قائده كل حفاوة ممكنة في استقبال المؤونة الفقيرة التي منّت بها عليه شيا؟
المشهد الثاني: نبقى مع شيا.. والاستقلال
يصدر قاض نزيه قرارًا بمنع شيا من التصريح للإعلام لتورطها العلني بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلد. هو قرار تكفّل بجعل كلّ مدّاحي الاستقلال يستشيطون غضبًا، ليس بدافع الانبطاح أمام شيا! كلّا وألف كلّا، إنّما وجد المعنيون أن ليس من خصال اللبناني المضياف الكريم أن يمنع “ضيفة” من التدخل في كل شؤون البلد، بل من محاولة تسيير كلّ الشؤون المحلية وتطعيمها بالنكهة العوكرية المعفّنة.
المشهد الثالث: يا للهول! الاستقلال يبلغ مرحلة التجلّي
تطالب فئة من اللبنانيين بتنحية قاضٍ هو المدعو بيطار عن ملف انفجار المرفأ لثبوت تورطه في اللاعدل في مقاربة الملف وبأوامر عوكرية واضحة، فيأتي الجواب من خلف البحار، وبلكنة أميركية مزعجة، ومن داخل الكونغرس: “لن يتنحى”.
المشهد الرابع: “حصار” الحبيب زبيب
تحاصرنا أميركا. تستخدم كلّ أدواتها في البلد وتشركهم في مسار تضييق الحصار حدّ الخنق، ولا يجرؤ منشد استقلالي واحد على مخالفة الأوامر الدوروثية الصارمة والتي تمنع الإتيان بحلول اقتصادية جذريّة ومنها التوجه إلى الشرق.
المشهد الخامس: خبصة سعودية
هل تعلم عزيزي “المستئلّ” أن انغماسك في ما يطلبه السعوديون مناف للكرامة الوطنية، وبالتالي يعرّض ادعاءاتك الاستقلالية للانكشاف السريع؟ هل تعلم أن مطالبتك وزير الإعلام بالاستقالة لمجرّد انزعاج السعودية منه، وبغير وجه حق، هي مَعلم من معالم استعبادك لدى البلاط السعودي؟ هل تعلم أن اصطفافك في طابور أمام خيمة البخاري، قبل أن يهجرك، هو علامة أساسية تشير إلى عجزك عن فهم معنى الاستقلال، وما أحيلاك منبطحًا لا تتوافق مع “عزيزًا مستقلا”؟
المشهد السادس: الجندي المجهول
فولكلور وضع الأكاليل على قبور الفرنسيين “الجندي المجهول” الذين قتلوا خلال احتلالهم لبلدك هو ظاهرة انفصامية تتخطى بأشواط متلازمة ستوكهولم وتضعك في موضع الشك بقدراتك الواعية، إذ فيما تحتفل باستقلالك وتحرّرك من احتلال لا تنسى أن توجه له تحية شكر وحب.
المشهد السابع: “عبوطة”
من يمكنه أن ينسى الهمروجة اللبنانية جدًا والتي تجلّت بالتسابق إلى حضن ماكرون ومطالبته بالعودة إلى انتداب لبنان؟ الغريب أن الراكضين نحو تلك “العبوطة” هم في العادة أول من يلبسون ألوان العلم وينشدون النشيد الوطني -باللغتين- في يوم الاستقلال.
كلّ عام وأنتم بخير.