قد يقول قائل إن عيد استقلال وطنك قد أقبل، فاستقبله بالاهازيج والزغاريد، وانثر الارز والورود وكلمات الشعر والخطابة، وقد يقول آخر فلنتذكر “ايام العز والفخر” في هذا اليوم، ولكني اقول ليس الاستقلال في وطني سوى كذبة سمجة، وطرفة مبكية، وهراء.
فأنا لن اعترف بالاستقلال، ولن احتفل بما يسمى عيده، ولن ابارك لأحد، مع كل محبتي لكم، ومع تمنياتي أن يغدو ما يُسمى وطننا وطنًا مكتمل العناصر، لا يفرضه أجنبي علينا وقد سخّر منه ولخدمته بعض سماسرة الكرامة والشرف والاخلاق.
لن أعترف بالاستقلال…
• حتى يعلم الشعب أن معظم سياسييه، وبعض كبار عسكرييه ومعهم كهنة كبار وصغار، هم من اتباع حزب المصرف المرتبط باللوبي الاقتصادي الاميركي، والذي يعمل وفق الاجندة لفتح الابواب امام الشركات الاميركية لاستثمار -نسمع بها كثيرًا وهي تلطيف لكلمة سرقة- مواردنا المادية، وطاقاتنا البشرية، ومستقبلنا ومستقبل اولادنا واولاد اولادنا والذين بعدهم، فـ”يقبعهم” ويرميهم في البحر، هم والبدائل التي يقدمها لنا الاميركي تحت مسميات مختلفة من جمعيات الـ NGO’s، ليضعنا في دوامة ونحن نغني “يا دارة دوري فينا…”.
• حتى يختار هذا الشعب مَن حسنت سيرتهم واستقام سلوكهم، وضحوا لأجل بلادهم وأمتهم بكل اخلاص، وهم موجودون، ومن المشارب. تقولون كيف؟ اقول اتبعوا اسهم العدو تصلوا اليهم.
• حتى يأخذ الاستعمار من بلدي البنية المهترئة للادارة العامة مع الكثير من رجالاتها الذين وضعهم لي لمنع اي فرصة تقدم، وتطوير حقيقي، فنعيد هيكلة الدولة بطريقة علمية صحيحة تقوم بهذا البلد وفق ما يحقق استقلالنا الاداري.
• حتى نغير نظامنا الاقتصادي الريعي، ونفعّل الانتاج رغم انوف دول الاستعمار والاستحمار، فنستغل ثرواتنا ونستخرج غازنا ونفطنا ونبيعهما كيفما نشاء ولمن نشاء.
• حتى نزرع اراضينا، ونتحكم بمحصولنا، فنصنعه او نبيعه بيسر، فلا يمنن علينا احد ولا يحاربنا احد ونكون اسياد انفسنا في هذا القطاع، ونكون نحن المتفضلين.
• حتى نلغي الوكالات الحصرية، وننفتح على من نريد، فنستورد ممن نريد، ونعقد الصفقات مع من نريد، ونختار الشركات التي نريد.
• حتى تخرج الاجهزة الامنية المخابراتية الاجنبية، وعلى رأسها الـ CIA، من بلدنا، هذه الأجهزة المؤسسة للدولة العميقة فيه والتي تتدخل في كل شاردة وواردة متلبسة لبوس الدبلوماسية، أو جمعيات انسانية، أو لبوس وسائل اعلامية كقنوات الفتنة، أو لبوس مراكز دراسات حقوقية وسياسية ومجتمعية، وكل ما يمكن الدخول اليه من ميادين.
• حتى تعود السفارة الاميركية الى وضعها الطبيعي، كممثلة لبلدها دبلوماسيًا، وليس ثكنة عسكرية متخصصة في عمليات التجنيد، والتدخل العسكري والامني والاعلامي، وترى سفيرتها الشمطاء تحشر انفها حتى في شبكات الصرف الصحي (اجلكم الله).
• حتى نرى قائدًا للجيش ذا هيبة، وليس صديقًا لدوروثي شيا، ينتظر منها صورة سلفي، وبعض الهدايا التافهة، وتراه يتودد اليها معتقدًا أنه سيصل الى الرئاسة بفضلها، وقد نسي تجارب الماضين.
• حتى نرى المناهج التربوية التي وضعها الاستعمار قد رميت في البحر لتعود اليه يومًا ما، ونضع منهجًا تربويًا يعكس هوية لبنان الحالية، لبنان المقاوم القوي، لبنان الجامع لكل ابنائه الشرفاء على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وأما خردة الاميركي فيُمكنه اخذها معه، فقد يحتاج الى بعض قطع الغيار.
وأخيرًا وليس آخرًا، فالمقام لا يتسع، لن اعترف بالاستقلال حتى نجد نحن الفقراء دولة تحمينا، وتؤوينا، وتضمنا، وتطعمنا، ولا تتركنا فريسة لضباع الانس من الامم تتآمر معهم علينا، وعندما نستصرخها نجدها في ملهى ليلي، فرنكوفوني او انكلوسكسوني، وقد تناولتها ايادي الغرباء.
في الختام لا بد من ذكر أمرين هامين:
- إن اكثر ما يستفز الاميركي كلمة استقلال بمعناها الحقيقي، وفي اي ميدان كان، حتى في تربية المواشي.
- ان بقاء سيطرة الامبراطورية الاميركية مرهون بتخلفنا وتخلف الامم، وليس بترسانتها العسكرية.
عشتم وعشنا حتى نشهد استقلالًا حقيقيًا.