العقم العربي إلا عن الكراهية

لم يتوقف العقل العربي عن إدهاش شعوب الكرة الأرضية. في كل مرحلة تاريخية، ومع كل تحوّل جذري، يتصدّر العرب، حكومات وقوى شعبية تابعة، المشهد بكل ما فيه من مآسٍ فكرية وثقافية وحضارية. لم تكن “نخوة” رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم، الأمير علي بن الحسين، شقيق الملك عبد الله (ما شاء الله)، على “نشميات” الأردن، صرخة في واد، بل أتت في خضم سياق طويل عريض من الترهّل الفكري والقيَمي العربي. طلّة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومراجعة سريعة لتعليقات “الناشطين” العرب، من مختلف الجنسيات، كفيلة بأن تضعنا، كعرب، في أسفل درك أخلاقي بين خلق الله.

تزاوج الوضاعة هذا، بين هكذا نوع من القادة وهكذا نوع من الشعوب، دليل آخر على كمية الحقارة التي نشتهر بها كعرب. لا حدود أخلاقية أو أدبية لاختلافاتنا وخلافاتنا وخصوماتنا. الجَلد والرجم هما أول ردّة فعل وأقصاها. انظروا إلى السعودية و”عداوتها” للبنان، انظروا إلى علاقات المغرب والجزائر، انظروا ماذا فعلوا بسوريا، والعراق واليمن والسودان، انظروا كيف حقّروا قطر، قبل أن يُعيدوها إلى الأحضان، انظروا إلى موقفهم من تركيا… كراهية عابرة للحدود الجغرافية،”فلتانة” بين الأمم.

أصبحت النُخب العربية سلعًا يشتريها ملكٌ أو أمير أو طويل عمر أو حتى صاحب سلسلة مطاعم. هذه النُخب “الداشرة” على الشاشات، المفروضة فرضًا على المشاهدين، إنما هي في الأصل عبيد مال ومنصب، رضا طويل العمر بالنسبة لهم يتقدّم على رضا الله ورسله وأنبيائه. تخيّلوا يا رعاكم الله أن شخصًا مثل تركي آل الشيخ يقود “كل شي الله خلق” نُخب في الوطن العربي. تخيّلوا! صارت إليسا ونوال الزغبي وراغب علامة والكثير من أضرابهم، بوصلات تتحرّك معهم تكتّلات بشرية بحسب هزّة خصورهم. صار تركي هذا، يصنع الرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج، ويا ويله وويلها مَن لا يضع له إعجابًا على منشورٍ. ثم تأتينا إليسا في ليل، لتحدّثنا عن السيادة والكرامة الوطنية. “بعدها” إليسا سهلة أمام “البرغي” مارسيل غانم.

مشكلة هؤلاء، أنهم صدّقوا كذبة تاريخية عن تقدّم عرقهم البشري على مَن سواهم من اللبنانيين. “شي بيشبه خبرية” تفوّق العرق الآري. “إلهم عين يحكوا” عن الحضارة والسيادة، ويهاجموا غيرهم، ممّن فضّلوا على هذه البلاد بالتحرير والحماية. الحضارة بالنسبة لهم هي “الطوبزة” لمن يدفع أكثر، لا همّ إن كان عثمانيًا أو فرنسيًا أو إسرائيليًا أو أميركيًا أو سوريًا أو سعوديًا أو إماراتيًا أو كويتيًا. لا همّ طالما الجيبة مليانة والبطن شبعانة، والـ…… أو “خلص محظورة هلأ”. والسيادة بالنسبة لهم، هي الركوع على أعتاب السفارات، وتقبيل خشم الأمير الفلاني والضابط الفلاني. “بلا زغرة” نديم الجميّل وميشال معوض، صارا خبيرين بالتراث السعودي، والأكلات المفضّلة “مش لابن سلمان، يا ريت” بل لأصغر موظف أمن في السفارة السعودية في بيروت. ويأتينا سامي الجميّل “آخر النهار” ليعطنيا دروسًا في الوطنية والسيادة يا سادة، أي نعم حصل ذلك.

الجميل في هذا المشهد المحبط، أن “العروبة” بنسختها الجديدة، جمعت فرقًا بخلفيات عقائدية وثقافية متناقضة، فوضعت اليمين اللبناني المتطرّف في خندق واحد مع السعودي الوهابي المتطرّف، فصار “واحد” مثل شارل جبور معجبًا بأفكار ابن سلمان العروبية، لمَ لا طالما أن الريال السعودي أقوى من الليرة اللبنانية، ويضاهي الدولار الأميركي؟!

على كل حال، المقصود أكيدًا ليس تعميم الصورة والمشهد على كل الشعوب العربية، بالطبع لا. إنما المقصود هو تلك الشرائح الواسعة من الجمهور المنساق لأسباب طائفية ومذهبية ومصلحية من دون تفكير وتمييز، نحو عداوة عميقة مع كل “آخر” ومختلف. أما الشعب الصابر الذي لا يضيع البوصلة فلن يفقد آماله في هذه الأمة العربية، رغم التحديات والضغوطات، والعوامل العديدة التي سبّبت للعرب هذا الشلل والتخلّف من بين سائر الأمم.

اساسيالسعوديةاليساراغب علامةلبنان