مصعب حيدر – خاص الناشر |
هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية شعور حقيقي ينتاب شريحة سياسية لبنانية تمكنت من نقل هذا الشعور الى عواصم القرار الدولي وبعض عواصم القرار الإقليمي في المنطقة العربية. وهي هيمنة خالية من الترجمة العملية، لسبب موضوعي كبير يرتبط بالأولويات الاستراتيجية التي ينغمس فيها حزب الله، وهي أولويات مرتبطة بالصراع مع الكيان الصهيوني وباستجماع عناصر القوة الداخلية والخارجية لاستكمال عملية حماية الكيان اللبناني، خصوصًا، والكيانات العربية عمومًا من الخطر الصهيوني الداهم، بعيدًا عن الغرق في مستنقعات المطامع والمطامح المحلية الضيقة التي تتناقض مع تلك الأولويات الاستراتيجية المنطلقة من الطابع الأيديولوجي لحزب الله ولتوجهات الحركات الإسلامية الجادة في إطلاق السعي لقيام حركة تحرر من الاستكبار العالمي والاستعمار في صيغته التي سادت في القرنين الأخيرين.
كيف ولد هذا الشعور؟ وما هي ظروفه النفسية والسياسية؟
إن النظام السياسي الذي خلفه الانتداب الفرنسي في بلادنا قبل رحيله العسكري المباشر في عام ١٩٤٣، كان ممسوكًا من قبل شريحة سياسية طائفية لم تخفِ علاقاتها مع العواصم الغربية الثلاث باريس ولندن وواشنطن، مع تفاوت متدرج في مستوى وثوق النفوذ والسيطرة حسب المرحلة الإقليمية والدولية. وقد واصلت هذه الشريحة الحاكمة انخراطها في السياسات الغربية وانطلقت تؤدي دورها الإيجابي في تدعيم سياسة الأحلاف التي كان أبرزها الانخراط في حلف بغداد عام ١٩٥٨، ما قاد البلاد الى أتون حرب أهلية مدمرة لم تخرج منها إلا بصعوبة بالغة.
وقد تابعت هذه الشريحة السياسية الحاكمة، التي كانت بحق وحقيقة تهيمن على الدولة اللبنانية، مسيرة علاقاتها مع قوى الخارج، ووصلت في عام ١٩٨٢ الى التحالف مع الكيان الصهيوني في حربه على لبنان وعلى منظمة التحرير الفلسطينية. وقد أدى هذا التحالف مع الصهاينة الى حروب مدمرة كان أبرزها حرب الجبل في عام ١٩٨٣ التي دفع ثمنها غاليًا دروز وموارنة جبل لبنان الذين دمرت قراهم وبلداتهم وبناهم الاجتماعية المادية والمعنوية. هذه الشريحة نفسها التي هيمنت على النظام السياسي اللبناني أو بقاياها هي التي توجه أصابع الاتهام الى حزب الله بالهيمنة على الدولة اللبنانية، في مفارقة عجيبة مفعمة بالكذب والغش والنفاق، وبالاستناد الى العنصرية الطائفية والمذهبية الرائجة في لبنان.
إن هذا الشكل من أشكال الهيمنة على الدولة اللبنانية، كان أقبح نماذج الهيمنة التي شهدها التاريخ اللبناني الحديث، خصوصًا عندما حصلت محاولات لربط الساحة اللبنانية بالكيان الصهيوني الذي كان يحتل ثلث الأراضي اللبنانية في تلك الآونة الحرجة.
ولا تكتفي تلك الشريحة بهذه الجريمة المستفحلة، بل إنها تعمل على إيقاظ كل عوامل الغطرسة التي تبيح لها أن تجند الشعب اللبناني عند كل أجنبي وطامع، في الوقت الذي يحرم فيه الآخرون من حق التعاون أو التفاعل مع أي جهة عربية أو إسلامية ساعية الى دعم مشاريع العمل المقاوم الفلسطينية أو اللبنانية أو العراقية أو السورية.
إن التعاون مع الأجنبي الأوروبي أو الأميركي مهما كان معاديًا لا يمس بالسيادة اللبنانية وفق مقاييس تلك الشريحة، أما التضامن مع اي قوة عربية او إسلامية مناهضة للقوى الدولية الظالمة فإنه يشكل مساسًا واضحًا بالسيادة اللبنانية. إن هذه الشريحة التي كانت مهيمنة على النظام السياسي اللبناني تظن نفسها جهة حصرية تحتكر صفة الجهات المؤسسة للوطن اللبناني، لا بل إنها صاحبة الوكالة الحصرية بإدارة شؤون الوطن واستثماره.
ليس لسفراء العواصم الغربية أن يكونوا هم أصحاب الأمر والنهي في هذا الوطن المنكوب بتلك الشريحة المشار اليها، بل إن ديبلوماسيين صغارًا وضباط مخابرات عاملين في هذه السفارات هم من يمتلك الحق في التنزه بين الوزارات والإدارات والساسة والقادة دون أن يرف لأحد جفن من أبطال تلك الشريحة السياسية البائسة.
لقد بدا حزب الله من فرط زهده بالمكتسبات المحلية السياسية والإدارية، وكأنه مستقيل من الحياة السياسية التي يتعاطى معها من منطلق حماية ظهر المقاومة وصيانة بيئتها وحسب، حتى باتت قوى سياسية يسارية عديدة تتهم حزب الله بالتهاون والتفريط في حقوق الجماهير. وقد وصل الأمر بالوزير اليساري شربل نحاس الى أن يبالغ ويصف زملاءه المنتمين الى حزب الله في مجلس الوزراء بأنهم كالغنم، وذلك بفعل حرص الحزب على عدم استخدام قوته “الفائضة” في الداخل اللبناني.
إن أقطاب هذه الشريحة السياسية التي كانت مهيمنة على القرار السياسي للدولة اللبنانية لأمد بعيد، لا يريدون ان يعترفوا بالحد الأدنى من مسار العملية السياسية الديموقراطية التي تسمح لتحالف حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر والمردة والآخرين إن هم حصلوا على أكثرية نيابية في انتخابات ٢٠١٨، أن يمارسوا بعض ما مارسه تحالف ١٤ آذار عندما امتلك الأكثرية النيابية منذ عام ٢٠٠٥ ووصلوا في عربدتهم ووقاحتهم الى حدود البحث في نزع سلاح المقاومة عشية تنفيذ وقف إطلاق النار في ١٤ آب ٢٠٠٦ بعد أن قدموا الشاي المحلّى الى العسكر الصهيوني في ثكنة مرجعيون، وقبل ان تعمد حكومة فؤاد السنيورة الى إحالة قادة المقاومة الى القضاء في الخامس من أيار عام ٢٠٠٨.
إن القول بهيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية عدوان بائس على الحقيقة ينطق به على شاشات التلفزة وزير خارجية نظام ملكي جاهل ومتخلف ومتعجرف لا يعرف إلا مناشير القتل التي سفكت دماء جمال خاشقجي أحد إعلاميي ذاك النظام وقطعته إربًا إربًا.
إن السخاء المالي الملكي الخليجي المنهمر على قوى تلك الشريحة السياسية اللبنانية المشار اليها لا يخولها ان تستغبي اللبنانيين وأن تعتبرهم مجموعات من الحمقى الذين يمكن ان يتم التدليس عليهم أو أن يتم شراء ذممهم ومحو ذاكرتهم اليقظة.