“حدّثهم يا صلاح عن القلوب الوالهة التي تتأوه ليل نهار شوقًا الى اللقاء، وحنينًا الى عالمهم. حدثهم يا صلاح عن الأرواح المولعة التي تتجلجل في أنحاء الجسد السجن يعذبها أسر الدنيا ويفرحها الإذن، الإذن بالخروج من لائحة الاستشهاديين المكتوبة بالحبر الى عالم الاستشهاديين المصنوع بالدم. قل لهم يا صلاح إن الأمل كبير وكبير جدًّا وإن النصر الذي حلموا به هم نراه نحن مقبلًا وآتيًا لا محالة بك انت، بمن مضى قبلك، وباللاحقين بك… وإن غدًا لناظره قريب”.
الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
أصبحت هذه المقولة بما تحمل من مشاعر وثقة لازمة تتردد عند ذكر الاستشهاديين في حزب الله، حتى يخيل للمتابع أن تاريخ استشهاد صلاح غندور (ملاك) هو نفسه تاريخ ١١/١١، التاريخ الذي اختاره حزب الله مناسبة للذكرى مع الشهداء في كل عام.
بينما التاريخ يعود لذكرى استشهاد أحمد قصير الاستشهادي الأول في حزب الله في العام ١٩٨٢ ، فاتح عهد الاستشهاديين.
ربما يكون الجواب في وصية الاستشهادي صلاح، وهو يعِد رفاقه الاستشهاديين الذين سبقوه بالثأر لهم وللفلسطينيين من جرائم الاحتلال الصهيوني، لذلك جاء خطاب السيد نصر الله -بمخاطبته الاستشهادي صلاح- ليعلموا أن ثمار دمائهم سيكون نصرًا، ونصرًا مبينًا.
لم يكن صلاح وحده من وجّه الخطاب إلى فلسطين من خلال وصيته، بل معظم الاستشهاديين الاثني عشر -من خلال مراجعة وصاياهم- كانت فلسطين قضيتهم، مع تحرير الجنوب.
هذا التلاحم في الألم بين لبنان وفلسطين كان حاضرًا وبقوة رغم المصائب والمحن.، هذا ما ميز جماعة الـ٨٢ كما سماهم الأمين العام لحزب الله في أسبوع الشهيد أبو ميثم اليتامى الذي يعود هو أيضًا لهذا الجمع الذي شيد أساسه السيد عباس الموسوي أمين عام حزب الله السابق وسيد شهدائه.
كان السيد عباس يبكي بكاءً شديدًا عند كل شهيد يسقط، وعندما سئل عن السبب أخبرهم أن كل واحدٍ من هؤلاء الشهداء الكوادر المؤمنين بالقضية المخلصة هو من الدعائم للبناء السليم، وكل كادر يبني مائة أو أكثر. فالعمل كان في وقت التأسيس على الإنسان، عقيدة ودينًا وأخلاقًا وسلوكًا وإرادة، وبعدها يأتي التدريب العسكري.
وهذا ما أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عند استشهاد الحاج عماد مغنية، عندما خاطب الصهاينه بأنه إذا قتلتم عماد فهناك عشرات الآلاف من أبناء عماد مغنية وهم يحملون روحه وسلوكه وجهاده، إن لم يكونوا مثله فهم يتخذونه قدوة لهم ويتناقلون سيرته وأفعاله وبطولاته، وهو أيضاً من
جماعة الـ ٨٢.
بهذا المعنى يقول الحاج عماد مغنية إن الروح هي التي تقاتل فينا، الروح التي تجعل من الجسد قنبلة تتفجر في جيش العدو لتحدث نقلة في عمليات المقاومة اللبنانية على طريق التحرير الذي تحقق في العام ٢٠٠٠، بفضل هذه الروح القتالية.
لم تكن للروح هذه منطقة جغرافية محددة، فهي جعلت الاستشهادي أسعد حسين برو -وهو من بعلبك- يقصد الجنوب عابرًا الحواجز المناطقية لأن العدو عدو لبنان كله، ولا يقتصر الدفاع فقط على الحدود الجنوبية المحتلة. بهذه العقيدة والإرادة الصلبة جعل من جسده قنابل تراشق أفراد العدو لتتطاير جثثهم وهي الخاوية بلا أرواح.
هذه هي روحية جماعة الـ ٨٢ التي ينبغي أن تدرس في الكليات الحربية عند بناء عقيدة الجيوش لكي تنتصر، وهي أثبتت نجاحها وفعاليتها بعد أكثر من ثلاثين عاماً عندما حطمت حدود سايكس بيكو لتعبر أقدام المجاهدين إلى سوريا وتقاتل بالروح المتناقَلة بين أجيال حزب الله، وتحت إشراف جماعة الـ ٨٢ الذين استشهد أغلبهم في سوريا، لأن الخطر على الجار يعني الخطر علينا، ولأن المخطط كان واضح الأهداف بعد فشل حرب تموز عام ٢٠٠٦ في تحقيق البداية للشرق الأوسط الجديد وفقًا لتعبير وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس، وبالتأكيد هي تعبّر عن القيادة الأميركية وأهدافها.
وقفت لهم الروح مجدداً لتصد كل هجمات داعش وأخواتها في سوريا والعراق ولبنان، رغم عدم التكافؤ بالميزان العسكري، إلا أن هذه الروح المقاتلة هي التي رجحت الكفة لصالح حزب الله ومن معه في معركة كونية.
حدثهم يا صلاح. حقًا إن صلاح حدثهم وحدثنا وعلمنا أن الروح إذا بنيتها بنيانًا متراصًا فإن النتيجة ستكون حتمًا نصرًا مبينًا.