كلما راجعنا تاريخنا وجدنا أننا شعب حلت به مئات المجازر وأن لنا ثارات مختلفة، مع العديد من الظلَمة وأهل العدوان، وأننا كلما أوغلنا في التاريخ نبتت في صدورنا آلاف الجراح.
من يريد أن ينسينا ثأرنا يعمد أولًا إلى محاولة طمس التاريخ، لكن حوادث الدهر لا تخفى. عبر الزمن حاول أعداء أمتنا إخفاء الوقائع كي لا تكون لدينا ذاكرة، كي لا نعرف عدونا من صديقنا، كي نساوي بين الجلاد والضحية، كي يكون تعاملنا مع كل الناس بلسان واحد، كي نبيع ونشتري ونتعامل بالاقتصاد مع كل الناس دون تمييز بين من يحمل لنا الخير ومن يضمر لنا الشر. يريد منا عدونا أن نكون شعبًا دون طعم ولا لون، شعبًا مدجنًا يقاد كالقطيع ويُذبح منه من يحتاجون إلى أكله، ويسمّنون من يأتي دوره لاحقًا.
كان الشهداء دائمًا ذاكرتنا النشطة التي لها وقع الضوء في أكثر الأوقات ظلمة.
من يريد أن ينسينا ثأرنا، نجح في تدجين العديد من الأنظمة والشعوب المحيطة بنا، وجعلهم كالبهائم همها علفها، وجعل شعارات العديد من الذين يرفعون عناوين الثورة شعارات فارغة، وجعل هدف الثورات ملء البطون الفارغة، بدل إزالة الطغاة والفاسدين وأهل التآمر والأمركة والأسرلة والتطبيع والاحتلال.
من يريد أن ينسينا ثأرنا أسقط على كراسي الحكم مأموري السجون، وأساطين الفساد، وكل أرباب الموبقات.
من يريد أن ينسينا ثأرنا جزّأنا لطوائف، وجرنا لحروب أهلية امتدت عشرات السنين، وحاول أن يجعل ثأرنا مختلفًا عن الثأر الأساسي.
من يريد أن ينسنا ثأرنا حاول إخافتنا وقمعنا، وقتل أطفالنا وجزّر في أهلنا.
من يريد أن ينسنا ثأرنا اخترع الجيوش السوداء وجيّشها لتحرق الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر من احتمال نهوض ولتدمر ما لم يسرق من تراثنا وحضارتنا وآثارنا، وإيقاد أحقاد جديدة بيننا.
من يريد أن ينسينا ثأرنا يخترع كل يوم لنا حكاية جديدة ويصدقها بسطاء العقول ويبنون عليها أمجادًا ورايات من ضلال.
من يريد أن ينسينا ثأرنا يحرض كل الإعلام علينا ويستقدم كل خبيث وسفيه ليقص علينا قصصًا كاذبة ويؤلف حكايا خيالية، ويصفق له مريدوه أهل الخبث والسفاهة، ويصدقه أهل الجهل والجاهلية.
من يريد أن ينسينا ثأرنا يعتمد على الحاقدين والجاهلين والمارقين والقاسطين في تنفيذ هدفه.
لهذا الذي يريد أن ينسينا ثأرنا نقول إن لدينا ثارات عمرها مئات السنين لم ننسها وإن نسيها البعض، وإننا نعيش بين ثأرين لم ننسَ البعيد حتى ننسى القريب.
مهما حاول السذّج والأقزام الذين دجنهم عدونا إعلاميًا ونفسيًا دفعنا كي نترك أو ننسى ثأرنا فإننا في مثل هذا اليوم من كل سنة وهو يوم الشهيد، نجدد لعدونا أننا لن ننساه وأننا لن ننسى ثأرنا وأننا نسعى في كل يوم لأن يكون ثأرنا الأقرب تحرير الأرض المحتلة، من القدس إلى كل بقعة وقع فيها ظلم لنا، وأننا نجمع القوة ونبنيها ليوم الفصل، يوم تصيح البنادق صيحتها الكبرى، يوم يهزم الجمع ويولون الدبر، والصيحة الأولى كانت من أحمد قصير ولا زال دويها في الأذهان حاضرًا، هي الصيحة التي أعلنت أن هذا عدونا المطلق، وأن الباقون الذين يرددون ما يلقنهم عدونا مجرد جهلة على هوامش الواقع.
في يوم الشهيد، شهدؤنا على امتداد الأيام كانوا أكثرنا علمًا، هم الذين قالوا إن إسقاط العدو لا يحتاج إلى أكثر من نية وإقدام، هم علمونا أن طريقهم كان عنوانه البصيرة ورؤية النصر المحتوم… وانتصروا.