يُحيي حزب الله وجمهوره في الحادي عشر من تشرين الثاني من كل عام، “يوم شهيد حزب الله” الذي عُيِّن مع ذكرى عملية تدمير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في مدينة صور على يد الاستشهادي الكبير الشهيد أحمد جعفر قصير، أو ما سمّتها المقاومة الإسلامية بـ “عملية خيبر”.
وبالعودة إلى تلك الحقبة، فلم يُعلن عن اسم الاستشهادي أو طبيعة العمل أو الجهة المنفذة قبل أيار 1985. وقد أحيا حزب الله يومها احتفالًا لشهدائه في قرية ديرقانون النهر، قضاء صور، بحضور عضو شورى حزب الله آنذاك سماحة السيد حسن نصر الله الذي اعلن باسم المقاومة الإسلامية عن أن “أحمد جعفر قصير”، المولود عام 1962 من البلدة نفسها، هو منفذ عملية تدمير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في صور، لتعرّفه المقاومة الإسلامية باسم “حيدر” وتعرّف عمليته باسم “عملية خيبر”.
وبقي الحزب في تلك الفترة، طيلة أربع سنوات، يحيي ذكرى الاستشهادي قصير باحتفالٍ تأبيني تتوالى على التكلم فيه قادة الحزب ومنهم الشهيد القائد السيد عباس الموسوي (س)، حتى شهر تشرين الثاني عام 1989، وكان الحزب قد استحدث منصب “الأمين العام” للحزب كمنفذٍ للقرارات الصادرة عن شورى حزب الله، وتم اختيار يوم “عملية خيبر” يومًا للشهيد ويومًا للعمليات الاستشهادية.
أحيا الحزب للمرة الأولى “يوم الشهيد ويوم العمليات الاستشهادية” في الضاحية الجنوبية لبيروت، منطقة بئر العبد، بإستعراضٍ عسكري حضره الأمين العام آنذاك وأعضاء شورى الحزب، وشمل الاستعراض العسكري للمقاومة الاسلامية سرايا مدرعات ومشاة متفرقة منها “الأسلحة الكيماوية” والإسعاف الحربي والقوات الخاصة، وأنشدت فرقة الولاية نشيد حزب الله الذي أصبح حينها معدّلًا عن نسخة أخرى أُنشدت في احتفال شهداء مجزرة مكة عام 1987، إضافةً إلى نشيد “كرامتنا الموت نُستشهد” الذي يتحدث عن مفهوم الشهادة والمقاومة، ونشيد “لك العهد في كبرياء النداء” الذي كان يُنشَد برفع الأيدي في مشهدٍ مهيب لم يعد له نظيرٌ هذه الأيام.
الاستعراض الأول، وفيه وصلٌ بين جيلين، شهد حضور ثلة، أنهت مشاركتها في الاستعراض لتمضي إلى ساحة الجهاد والدفاع عن الوجود، أحدهم هشام سلامي، جميلُ المحيّا بقبعةٍ عسكرية عليها شعار الحزب، وبزة عسكرية ولحيةٍ مهذّبة. لم يمضِ شهرٌ على الاستعراض في بئر العبد حتى تحوّل هشام إلى “الشهيد هشام” ويصبح واحدًا من أولئك الذين يُحيا ذكرهم كل عام.
أما من جماعة “مَن ينتظر”، فشارك أبو حسن باز -الذي عُرف بأكثر من اسم- أيضًا في الاستعراض، ضمن أولى السرايا؛ بزةٌ صحراوية وعصبةٌ حمراء، قضى بعدها أعوامًا في الدفاع عن الاسلام ومقاومته، حتى أصبح هو الاخر زميلًا لهشام سلامي في الجهاد والاستعراض والشهادة. كان ذلك بعد 27 عامًا على شهادة هشام مدافعًا عن الإسلام وكرامته.
اختار حزب الله يوم أحمد قصير يومًا لشهيده، ليبقى أحمد قصير في ذاكرة المقاومة مقاومًا مسلمًا خمينيًا، وصانعًا للعهد الجديد الذي لا مكان فيه للجبروت أمام قبضات المؤمنين، وليبقى الانجاز الأول الذي أذلّ شارون ممهورًا بختم المقاومة الإسلامية، ذلك الإنجاز الذي جعل وجه شارون المبتهج بعد الاجتياح كئيبًا حزينًا ينتظر الخروج من الوحل اللبناني بعد 18 عامًا من “عملية خيبر” التي نفذها الشهيد “حيدر”، أحمد جعفر قصير.