مهدي ياغي – خاص الناشر |
مَضَتْ سنوات طويلة على ارتِحالِ شهداء حرب تموز. حربٌ عِشنا كلّ ما فيها من خَوفٍ وذُعْرٍ وخَشْيَة زرعتها آلةُ الترهيب الصهيونية بداعميها الغربيّين وأنصارها الإقليميّين. على المقلب الآخر، تنفسنا فيها نسيم الاعتزاز حينما فاحَ عبير الاقتدار من الجنوب، فأحبَبْنا وقدَّسْنا كلّ صانعي عزّتنا، من السيّد المُؤَيَّد وصولًا لساداتِنا، خاصة أولياء الله الذين ضربَ أعداءه بأيديهم.
لثلّة من هؤلاء الشهداء قصّة فريدة، وحضور طاغٍ؛ الشهداء الجامعيون في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية. يكفي أن تسمع حكاياتِ مَن سبقنا من أجيال التعبويّين عن الكلية التي كانَ يبدو فيها النقص أيام العمليات قبل التحرير لتدركَ أيّ فرادة تمتَّعَت بها هذه العيّنَة. ووفاءً لهؤلاء، شيّدَ نُصُبٌ ورفعت صورة تذكارية لهم أعلى درج كلية العلوم، فنصعد أدراجًا طويلة لتستقبلنا وجوهٌ نيّرةٌ في نهايتها.
وجهٌ ملائكي، سيشدّ انتباهَكَ في أقصى الصورة. أنّى لصاحب البراءة هذا أن يحمل السلاح ويقاتل؟ في الواقع، كان هذا الشابُّ مدججًا بصنوف الأسلحة، منها ما يدركه البصر، وبعضها يفهمه العقل، وآخرها ما لا يألَفُهُ إلا القلب؛ هوَ الشهيد كاظم خنافر الذي استشهدَ في ختام سنته الدراسية الثانية في كليَّة الطب العام.
للشهادة والشهداء ميزة التأثير في الوجدان وحمل الأنفس المثقلة والقلوب القاسية على أن تنصاعَ لما أيقنتهُ الألباب من الحقائق الناصعة، لتخترق وحولَ الانبطاح والخمول إلى ربيع الأرواح وجنّة الجهد والاجتهاد.
سنوات، أشهر، ساعات طويلة قضيتها باحثًا عن ملفات رقمية وقصص حول الشهيد. هو شهيد كليّتي، ومن واجبنا إحياء ذكره، ومن حقنا على أنفسنا أن نحييها بمعرفته. إنَّ أثرَ الشهداء في نفوس أبناء مجتمعنا المقاوِم أمرٌ جليّ، فقد نَما وانبَثَقَ بين جناحَي عَبْرَةِ كَرْبَلَاءَ وعِبْرَتَها، وقد أوصى الإمام روحُ الله وسماحة القائد الخامنئي بنشر آثار الشهداء وقصصهم وحتى صورهم.
أذكر أنّي قبل سنوات حصلتُ على حلقة اُعِدَّت حول الشهيد كاظم خنافر، وسعيتُ لتقطيعها لمقاطع صغيرة، كلًّا منها يحاكي مفهومًا أو فكرةً نلتمس منها العبرة. يومَهَا لم أمُرَّ مرورَ الكرامِ بل مرورَ الغافلين على مقاطع تحكي اجتهاد الشهيد في مقاطعة البضائع الأميركية، وحملاته التوعوية لأهالي قريته وأصحاب المحال حول أهمية المقاطعة الاقتصادية. مقطع آخر، كان يتحدث عن حرصه على مساعدة الفقَرَاء وعدم تفريطه بأي فرصة لإعانة المحتاجين.
يومَهَا تجرّأتُ جهلًا واكتَفَيْتُ بركائز أساسية ومفاهيم عمليّة ينبغي أن تجسّد بمجموعها النموذج الأمثل للشاب الواعي التعبوي المتحمل للمسؤولية، بينما سواها كان بالنسبة لي ” استحبابًا غير مؤكد” أو لعلي رأيته لا يقرّب ولا يؤخِّر.
مضَت الأيام وثُكِلنا بفقد قائدٍ كبير وشهيدٍ عظيم، الحَاج قاسِم. يومَها تغيّر الخطاب الإعلامي وتمّ التصويب على البوصلَة، وضُرِبَ ببصر المستضعفين أقصى القوم كما حدّد الإمام الخميني منذ البداية: أميركا الشيطان الأكبر. سنقاتِل أداتَها الصغيرة جنوبَ بلادنَا، ونناوئ أدواتها الأخرى وعبيدَها من العربان في غرب آسيا، ولكن العدوّ الأوّل هو الاستكبار وعاصمته واشنطن.
اليوم في أجواء يوم الشهيد، أراجِعُ ملفّاتٍ وأعود لمذكراتي لألْحَظَ متأخّرًا غنًى أكبر في النموذج. الشهيد كاظم خنافر مجددًا يقدّم الدروس، ورغم المرور على سيرته مرارًا، يرتقي أكثر في النفوس. نعم لقد كانَ ذو الوجه البريء مدججًا بصنوف السلاح؛ المقاومة الاقتصادية والتكافل الاجتماعي. المفاهيم الجديدة وأشكال القتال الحديثة على ابناء جيلنا والتي لفتنا لها فشل العدو في حروبه الصلبة وسعيه لمحاولة كسر حركاتنا التحررية المقاوِمة بأشكال أخرى.
نعم، لقد ضرب الشهيد كاظم خنافر في مسيرة قصيرة لم تتجاوز الواحد والعشرين عامًا أقصى القوم. نهلَ من بصيرة السيد عباس الموسوي بالقتال في كافة المجالات، ونهضَ بعزيمة الراغب بالحرب ليترجمَهَا عملًا، وكان ختامُ عمرهِ مسكًا بشهادة تحت قيادة البدرِ والعماد، فسَلَامٌ عليه يوم وُلِد ويومَ استُشهد ويَوْمَ يُبْعَثُ حيًّا.
الشهيد كاظم علي خنافر
الاسم الجهادي: عمار.
محل وتاريخ الولادة: بنت جبيل – 23/8/1986.
الوضع الاجتماعي: أعزب.
المستوى العلمي: جامعي [طب عام].
مكان وتاريخ الاستشهاد: عيناثا – 26/7/2006.