حزب الله لا يشبه لبنان ولا شيعته.. دعوة إلى الضحك

طالعنا منذ أيام “الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان” بنظرية جديدة اجتماعية سياسية انتروبولوجية، نشرها في موقع أكاديمي تعترف بمصداقيته وعلميته أهم الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية، هو موقع “جنوبية”. ولا يشط تفكيركما أخي القارئ أختي القارئة ويذهب قريبًا، فـ”جنوبية” هذا على الرغم من أنه ينشر باللغة العربية فهو موقع عالمي، ويمكن أن يكون “جنوبية” الولايات المتحدة أو “جنوبية” السعودية أو غيرهما، فـ”جنوبيةُ” الموقعِ متحركة، وفق بوصلة الدفع ونفاثاته من وقود أخضر.

ما علينا، حارث داروين سليمان اكتشف أن حزب الله لا يشبه شيعة لبنان، “رغم ان عناصره لبنانيون”، فلا تغرنكم الهوية يا جماعة، فحزب الله، يا حرام، يحرّم “أغاني فيروز في مُجَمّع الحدث في الجامعة اللبنانية، بل يحرم الغناء كل الغناء… وهو يُحَرِّم الموسيقى سواء كانت غربية او شرقية، وقد يتسامح متأففًا ببعض من الموسيقى الكلاسيكية”. و”لا يقبل حزب الله الدبكة اللبنانية، التي كرّستها أجيالٌ مُتواليةٌ، منذ مئات السنين… حتى لو كانت أشهر فرقتي رقص شعبيتين لبنانيتن، بقيادة مبدعين شيعة من عبد الحليم كركلا الى فهد العبدالله، ولا يتقبل اي مسرح غنائي أو أوبريت لبنانية، حتى ولو كان مؤلفوها شعراء شيعة…”. وحزب الله “لا يسمح بـ”زغلوطة” الأم لابنها العريس، في يوم فرحه، كما يمنع بدعوى التحريم والمخافة من ايذاء الميت في عتمة قبره، الأمهات والأخوات الثكالى، من البكاء على أحبابهم [أحبابهن يا دكتور]، ويدعوهم [ويدعوهن يا دكتور] الى البكاء الحلال فقط على الإمام الحسين”.

كما إن حزب الله يعتدي ويغير حتى في مراسم إحياء ذكرى عاشوراء، التي “كانت قديمًا تنتهي في صبيحة اليوم العاشر من محرم… أما طقوس حزب الله فتستمر أربعين يومًا وليست عشرة، وعليه وجب تغيير اسم المناسبة من عاشوراء (عشرة ايام) الى أربعينية، ولعل ذلك قد لا يكفيه، لأنه رفع شعاره “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء”، بحيث يجعل من تسجيلات قراء العزاء في المجالس الحسينية، مؤونة صوتية يومية، لكل مُلتزمٍ في حزب الله، سواء كان في سيارته او عمله او أمكنة تسليته، وعلى مدار الايام من كامل السنة.. زمن حزب الله لطم مستمر، ونحيب لا ينقطع، فهل يشبه هكذا زمن، الزمن اللبناني!”.

كما إن حزب الله لا يقبل “سباحة الفتيات في البحر والاختلاط بالرجال، ويتحفظ عن الانخراط في عالم الازياء والموضة والتبرج، ويحصر استعمالها من قبل الزوجات لأزواجهن فقط داخل بيوتهن، وعلى الرغم من اشتراكه في تقييد لباس المرأة مع مذاهب اسلامية اخرى، فإن المرأة خارج بيتها بعرفه، زي اسود تلبس شادورًا، من رأسها حتى قدميها، فهل هذا شكل المرأة اللبنانية منذ مائة سنة وحتى تاريخه؟ امرأة حزب الله ايضًا في الخارج الاجتماعي لا تشبه المرأة اللبنانية، ولا تشبه أمهاتنا وجداتنا الشيعة منهن او من غيرهن”.

بصراحة، لم أكن أريد الرد على العبقري الذكي الألمعي الأستاذ الجامعي في الكيمياء، لكن وجدتُ من المناسب وربما الواجب الحديث عن نموذج من نماذج الأكاديميين و”المفكرين”، وما تصنع بهم الأيام والحقد والكره فتخرجهم عن سبيل المنطق والصدق فقط لأنهم لا يتشاركون مع فئة او حزب لبنانيّين توجهاتهما السياسية والالتزام الديني. ثم لا بأس بالقليل من إضحاك قرّاء موقعنا الأعزاء، في هذه الأيام السوداء والفكر الأسود والثقافة العرجاء، إلا ما ندر.

فيما يتعلق بكلام الدكتور حارث -الحارث في الجهل ببيئة يعيش فيها- حول الغناء والدبكة، فشباب وصبايا حزب الله لديهم مراجع في إيران والعراق، وكان لديهم مرجع في لبنان هو آية الله السيد فضل الله رحمه الله، وكان كل منهم يقلد المرجع الذي يريد مثلهم مثل أي شيعي في العالم، وهؤلاء المراجع العظام يجمعون كلهم على حرمة الغناء إلا بتوفر شروط تجعله حلالًا، وكذلك بالنسبة إلى الدبكة، فهل لم يعش الدكتور حارث بين أهله وناسه الشيعة، وهل لم يقرأ كتب الفقه ولو على سبيل التسلية أو على سبيل انتقادها وانتقاد مؤلفيها المتخلفين عن مواكبة العصر؟ يا أخي اقرأ وناقش، لا أن تنتقد دون ان تقرأ، أو لعلك قرأت لكن (عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)؟

ثم يا دكتور، أليس لديك على فايسبوك أي صديق أو صديقة من هؤلاء المتخلفين الظلاميين من أنصار حزب الله؟ ألم يمر بك أي فيديو في صفحة من صفحاتهم يتضمن موسيقى كلاسيكية لأهم المؤلفين الموسيقيين الأجانب أو العرب؟ ماذا نفعل لك يا دكتور إذا كان الجماعة أصحاب ذوق رفيع فلا يستمعون إلا إلى الموسيقى العالمية والعربية الرائعة؟ ثم هل بلغ بك الكره حد أن لا تشاهد قناة المنار وتستمع إلى ما يمر على شاشتها من موسيقى؟

ثم ما علاقة الحلال والحرام بما إذا كان المغني أو الشاعر أو الكاتب شيعيًّا أو غير شيعي لتتحدث عن أن بعض المغنين والمسرحيين وأسياد الدبكة من الشيعة؟ هل يجوز غناء المغني الشيعي ولا يجوز غناء غيره مثلًا؟ أيضًا، ما هي القاعدة في الحلال والحرام والحق والباطل، إجماع الناس أم قول الشرع والقانون؟

وهل لم تشارك مرةً في تشييع شهيد من شهداء المقاومة الإسلامية وتسمع زلغوطة (وليس زغلوطة يا دكتور) تنطلق من فم أم الشهيد أو قريبته أو جارته؟ وماذا نفعل إن لم تسمع مرةً زلغوطة أمّ في عرس ولدها؟ إذا كان الشيء غير موجود إلا إذا سمعته أو شاهدته فيا حسرةً عليك.

وهل يمنع حزب الله الامهات والنساء من البكاء على الشهداء؟ هل موقع “جنوبية” أخبرك بذلك؟ ومن أخبرك أن بكاء النساء يجوز على الإمام الحسين عليه السلام فقط ولا يجوز على الراحلين من أقاربهن؟ هل أخبرك بذلك “السيد” ابن “السيد” صاحب الموقع؟ (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ).

كما أن الدكتور حارث يستغرب زيادة أيام الحزن على الإمام الحسين عليه السلام من عشرة التي هي أيام عاشوراء لتصل إلى الأربعين، وكأن لا زيارة أربعين في أحاديث الأئمة عليهم السلام ولا في كتب الأدعية ولا مستحبات للأربعين ولا اجتماع للملايين في كربلاء في يوم الأربعين، وهم ليسوا من شيعة حزب الله. يا ويلاه يا دكتور. أما تعليقه على شعار “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء” فلو كان قرأ لكان فهم، (وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِى ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَٰلَتِهِمْ).

هل أكمل؟ أتريدون بعض الضحك؟ حزب الله “لا يشبه شيعة لبنان ولا طريقة عيشهم، التي يتشاركون بها مع باقي المكونات، ويدعو عناصره لعدم الشراء من أي حانوت لا يلتزم بتعليماته وتحريماته”. هل انتهيتم من الضحك كي أكمل كلامي؟ بصراحة لا يحتاج هذا المقطع إلى أي تعليق، لقد “فرطتُ” من الضحك.

و”لا يطبق حزب الله القانون اللبناني الوضعي لحل النزاعات في مناطق سطوته، وللقيام بالتسويات والتحكيم بين المتنازعين واجراء المصالحات فيما بينهم، بل يلجأ الى تطبيق الشريعة الاسلامية، حتى في خلافات الإيجارات أو تعويض الضحايا في حوادث السيارات”، وإن كنتم غير مصدقين اسألوا شركات التأمين والمؤجرين والمستأجرين وموظفي الضرائب وجباة فواتير الكهرباء والماء، سينفون كلهم قيام أي شخص من حزب الله بدفع أي مبلغ مالي. لعل هؤلاء يدفعون في إيران يا دكتور، واصل تقصّيك هذا الموضوع فقد تصل إلى نتيجة جديدة مضحكة.

أما بالنسبة للسباحة والأزياء، فيمكنك يومًا ارتداء ثوب نسائي والدخول إلى مسبح من مسابح النساء لتشاهدهن، أما إن كان رأيك أن علامة التقدم والتحضر هي في سباحة النساء أمام الرجال فأنت حر.

وأرى الصبايا الآن يضحكن عليك وهن يقرأن كلامك عن الأزياء وعن التشادور الذي يغطي المرأة “من رأسها حتى قدميها”.

كل ما مر من كلام الدكتور حارث، بما يحمل من تجنٍّ وجهل أو تجاهل حول بيئة حزب الله، سببه كلامه التالي الذي كشفه (أي كشف الدكتورَ): “قد يقول قائل إن هذه عقيدة دينية تدخل في حرية المعتقد والضمير، ولا بأس من التساكن معها، وهو أمر يمكن ان يكون متاحًا، لولا أن حاملي هذه الخيارات، ينتسبون لحزب سياسي يسعى لبناء سلطته على كامل شعب لبنان، ويمتلك ترسانة عسكرية لا يتوانى عن استعمالها في منعطفات سياسية متعددة”.

هذا هو السبب في سرد الدكتور كل ما سرد وكل ما هذى به من معلومات. يكشف هنا الدكتور عن ضميره المستتر وعقله الباطن؛ مشكلته الأساس هي سلاح وسياسة حزب الله. يا رجل قل مِن البداية هذه الجملة، لا تحتاج إلى تزوير التاريخ والحقائق كي تصل إليها. قل إنك ضد حزب الله لأنه حزب مسلّح، وناقش في سلاحه، ولا تُضحك الناس عليك بإيراد معلومات يعرف كذبها طلاب الرابع متوسط أو أقل.

ثم يرمي الدكتور في وجوهنا جوهرته الفريدة، فيقول: “الترداد المتكرر ان حزب الله مكوِّن لبناني لا يستند لأي دليل”، لأنه “لو كان كل حزب حاز شعبية في طائفته او شارعه اصبح مكونًا للوطن… لكان حزب الكتائب مكونًا للبنان، ولكان التيار العوني مكونًا للبنان”. يا دكتور، إذا أي حزب لم ينل شعبيته وشرعيته من الشارع أو البرلمان فمن أين ينالها؟ من موقع “جنوبية” وأمثاله؟

وإلى لقاء آخر مع نظرية جديدة من نظريات الدكتور حارث سليمان.

اساسيالشيعةحزب اللهشيعة لبنانلبنان