يصرّ بنو سعود، من سلمان المُهزّأ دوليًا وولي عهده المعروف في الأوساط السياسية وغيرها بالدبّ الداشر إلى قطيع المتسعودين بمبالغ مدفوعة سلفًا، على استجلاب التقريع لأنفسهم ولأتباعهم، غلمانًا وجوارٍيَ، في كلّ مناسبة وعند كلّ محطة.
وبما أنّهم ظنّوا، لهشاشة عقولهم، أن بإمكان مالهم أن يشتري لهم احترامًا بين الأمم، وأن يغطي على جرائمهم وانتهاكاتهم بحقّ اليمنيين، أهلّ العزة والشرف، وبحقّ كلّ الأحرار في العالم العربي والإسلامي، بلغ بهم تدني مستويات الإدراك حدّ التوهّم أن شراء بعض الذمم الرخيصة والمطبلين الفارغين كعقولهم سيكفل لهم إمكانية كتم كلّ الأصوات التي تنطق بالحقيقة، وسيمكنهم من إذلال كلّ من دعته نفسه الحرّة وكرامته العالية إلى رفض تمسيح بلاطهم والاعتذار لهم كلّما راق لهم أن يطلبوا، أو أن يفرضوا اعتذارًا.
جميعنا نتذكر يوم قام معلّمهم الأميركي وناهبهم برضاهم بتهزيئهم وإهانتهم، وذلك طبعًا بعد أن زارهم في دارهم وقام بتشليحهم على طريقة النشّالين مبالغ مالية ضخمة. يومها، فيما كانت وسائل الإعلام حول العالم تنقل التقريع والأوصاف المهينة بحق “السعودية” لم يتمكن أي قمر صناعي من أن يلتقط إشارة اعتراض واحدة صادرة عن نظامها، ولو همسًا، وكذلك لم نسمع بأي ردّ فعل ولو شكلي يمسح عن وجه سلمان، والسلمانيين من مختلف المناصب والوظائف والأدوار، علامات الخزي. لم يطالب السعوديون يومها باعتذار من الولايات المتحدة الأميركية، ولم يدفعوا البحرين لاستدعاء السفير الأميركي لديها وابلاغه بامتعاضهم، بل وحتى لم يحاولوا قول “بِه”. صمتوا كمن اعتاد “البهدلة” حتى أدمنها.
تحصد اليوم “السعودية” بنظامها البائس والمهزوم شرّ ما زرعت؛ فضربة مأرب أفقدت المهزوز اللحظات المتبقية من توازنه، وقضت على ما بقي من لحظات صحو في أيام ابن سلمان الغارق في الترفيه المشبوه، إلّا إن كان التشوّش الظاهر عليه في مختلف مقابلاته جزءًا من طبيعته. أضف إلى ذلك سلسلة الهزائم التي مُني بها إرهابهم المتعدّد الأشكال والوجوه والسقوط المتواصل لمشاريعهم الفتنوية والتي ليس آخرها المحاولة القواتية الفاشلة في لبنان. وعمليًا، ليس هناك دول ما زال بإمكان السعودية الاستقواء عليها وتسييرها كما تشاء إلّا البحرين بنظامها الذي اختار لنفسه قدر ممسحة تدوسها أرجل بني سعود ذهابًا وإيابًا، وبعض البقايا في لبنان الذين ينقسمون بين أتباعٍ للنجاسة على سبيل الحقد والنكاية بالطهارة، وأتباع مأجورين يتقاضون بدلًا عن كلّ موقف داعم للسعودية. ومن هنا، كانت الحملة المسعورة ضدّ وزير الإعلام جورج قرداحي لوصفه الحرب على اليمن بالعبثية، علمًا أنّه بقليل من التفكّر وباستخدام الحدّ الأدنى من الذكاء لا يمكن لعاقل متّزن أن يفسّر هذا التوصيف كهجوم على السعودية بقدر ما هو توصيف يتوخى الموضوعية وينطلق من وقائع محدّدة. فهو لم يتوجّه بأي إهانة أو حتى بتلميح مهين نحو السعوديين، إلّا أنّهم لم يستسيغوا الأمر لأسباب عديدة ومنها أنّهم يريدون السيطرة حتى على الكلمات التي تخرج من أفواه السياسيين اللبنانيين، ويلام في ذلك جمع السياسيين الذين عوّدوا السعوديين على النطق بما شاء سلمان والداشر ابنه وسائر الحاشية، ومنها أنّهم يريدون طمس معالم جريمتهم المتواصلة في اليمن عبر كتم كل صوت يتحدث عنها، ومنها أنّهم عاجزون حتى اللحظة عن استيعاب انكشاف دورهم في كلّ فتنة حدثت أو كادت تحدث. أما ورقة الابتزاز المتعددة البنود التي يلوحون بها فهي تقترب من كونها نصًّا كوميديًا تافهًا، يتضمن التهديد بالكفّ عن مساعدات لا يقدمونها أصلًا، بالإضافة إلى التلميح إلى الجالية اللبنانية العاملة في السعودية، واستخدامها وكأنها ورقة ضغط علمًا أن أبناء الجالية اللبنانية هناك يعيشون مقابل عملهم ويؤدون دورًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، وهم ليسوا بأي حال من الأحوال ضيوفًا تعطف عليهم السعودية أو تقدم لهم خدمات مجانية.
أما حين وجدوا أن وزير الإعلام يرفض تقديم أيّ اعتذار، ويرفض الخضوع لمساعي المتسعودين في لبنان قبل السعوديين أنفسهم، فقد هبّوا علينا ببيان يعلنون فيه تصنيفهم لمؤسسة القرض الحسن بالكيان الإرهابي. للوهلة الأولى يبدو البيان مفبركًا لشدة تفاهة من ارتكبه! فناهيك عن كون النظام السعودي هو منبع الإرهاب والمموّل الأساسي له، وبالتالي هو ليس في قائمة من يمتلكون أصلًا حقّ التصنيف، واذا تجاهلنا كون السعودية تمارس عدوانها على اليمن بكل ما اوتيت من حقد وكراهية، وكذلك إذا أخرجنا من دائرة النقاش حجم البغض الذي تكنّه السعودية لحزب الله ومؤسساته، يبقى السؤال المطروح هو هل يدرك هؤلاء القوم أن قراراتهم وتصنيفاتهم لا تعني أحدًا إلا قطيع المتسعودين المتعدّد المراتب؟ وهل يظن صاحب هذا القرار-التصنيف أن لهذه الورقة أي وزن في سوق التحديات والمواحهة الاقتصادية؟ طيب، هل يعلمون أن كافة موظّفي مؤسسة القرض الحسن وزبائنها والمستفيدين منها قد قضوا ليلتهم على قهقهة بعدما اطلعوا على قرار السعودية بمقاطعة الجمعية ومن يتعامل معها؟
يعجز السعوديون عن الإقرار بهزائمهم بشكل صريح، وعن مراجعة حساباتهم والتراجع، ولو متأخرين، عن مواصلة الفعال الإرهابية التي تتراوح بين قصف الآمنين في بيوتهم وتقطيع الناس بالمنشار، وما بينهما من مشاهد بالمئات لإرهاب هم مصدره ومموله. وكذلك يعجزون عن فهم حقيقة تقول أن ليس كلّ الكرامات تُشترى، وأن الأحرار لا يعتذرون عمّا لم يرتكبوا، ولا يخضعون لتهديد ولا يتراجعون تحت ضغط الحملات المسعورة.
نعم، مع جورج قرداحي ضد الترهيب السعودي، ومع كلّ ما ومَن يؤدب الإرهاب السعودي، واليمن خيرُ من أدّب وأوجع.