ستة وعشرون عامًا، ستة وعشرون جرحًا يتفتح كل عام مع كل ذكرى للفقد، الذكرى الأليمة على قلوبنا، ذكرى استشهاد الدكتور المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، المعلم فتحي إبراهيم الشقاقي، ذلك الرجل الأممي الذي جمع بين الإسلام الثوري الأصيل والجهاد النبوي المحمدي وفلسطين التي أعاد لأذهان الأمة مركزيتها من جديد، وأنه لا استقرار في هذه الأمة ما دام قلبها النابض فلسطين ينزف من بطش عدو أثيم، استباح الأرض والمقدسات.
جاء ذلك الرجل شاهرًا سيفه في وجه قوى الظلم والبغي كما جده حمزة وكما الحسين الشهيد، وكما عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني، وكما كل حر رفض كل أبجديات الذل والهوان. ذلك الرجل الذي تنبأ بأن كل محاولات الشيطان الأكبر أميركا وربيبتها إسرائيل شرذمة هذه الأمة والتفرقة بين أطيافها عبر تأجيج الفتن الطائفية والمذهبية إنما هي محاولات من أعداء الإسلام لتفتيت طاقات الأمة ومكوناتها حتى لا تجتمع الأمة في يوم على إعلان الجهاد المحمدي الأصيل من أجل تحرير تراب فلسطين المحتلة. ذلك الرجل الذي جاء في زمن فقدت فلسطين فيه حقها في الجهاد بطابعه الإسلامي الأصيل وتاه مقاتلوها يدافعون عن قضايا هامشية هنا وهناك، تاركين قضيتهم المركزية دون حامل للواء تحريرها، فجاء المعلم فتحي يطرق الأذهان والآذان بأن فلسطين أرض عربية إسلامية وأن تحريرها يجب أن ينبثق من توجيهات القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف. جاء ليعلن أن الدم فقط وأن الشهداء فقط هم من يعيدون لفلسطين اعتبارها وكينونتها بين الأمم، وأن ذلك الدم الطاهر المسفوح ظلمًا في فلسطين قادر على إحياء الأمة من جديد ونفض غبار الذل والهوان عنها، وأنه لا يجب أن يهدأ هذا الكيان السرطاني الغاصب برهة، لأن في هدوئه عواصف ستضرب الدول العربية والإسلامي، وأنه لا بد من مشاغلة هذا العدو على الدوام. جاء ذلك المعلم ليكشف عورات كل السماسرة والمطبعين والذين جعلوا من قضية فلسطين مأربًا لتحقيق أطماعهم الشخصية ونزواتهم، جاء ليرفض كل اتفاقيات الذل والإذعان وبيع القضية في سوق النخاسة، ووقف بكل شجاعة ليرفض أوسلو ويلطم هؤلاء الساسة القذرين على وجوههم، لتذهب كل أطماعهم وأحلامهم أدراج الرياح، ولتبقى فلسطين عربية إسلامية مهما حاولوا تغيير وجهها الحقيقي. جاء المعلم فتحي ليقول بكل ثقة وكأنه تنبأ بمصيره الحتمي “لا تصدقوني إلا إذا رأيتموني شهيدًا”، ليُسفح ذلك الدم الطاهر، ولتحلق روحه خفاقة هناك في جزيرة مالطا تلعن كل يوم سماسرة التطبيع وبيع الأرض، في مالطا حيث لم يكن يعلم ما دبرته له خفافيش الظلام، ويبقى صوته المجروح الحزين بكل الكلمات الثورية أملنا ودافعًا لنا كي نبصر نور التحرير ولو بعد حين.
في ذكرى المعلم فتحي نعاهده أننا ما زلنا نحمل العهد والوعد ولن نحيد حتى نلقى وجه الله مقبلين غير مدبرين.
لروح المعلم فتحي الشقاقي في ذكراه العطرة كل تحية مجد وسلام.