حجم الاهتمام الأميركي بمخزون الغاز اللبناني، يتمظهر في مستوى الضغوط التي تمارسها الإدارة على المسؤولين اللبنانيين، وفي التدخل لمنع الدول المستثمرة من البدء باستخراج الغاز من المناطق غير المتنازع عليها.
هناك عنصر جديد دخل في السياسات الأميركية تجاه لبنان، تحدث عنه فيلتمان في تشرين الثاني 2019 في جلسة الكونغرس، وكذلك الاستراتيجية الرسمية لوزارة الخارجية تجاه لبنان الصادرة في آب عام 2021، يتعلق بمكافحة النفوذ الصيني الروسي، وتجميد استخراج النفط، ونهب المنطقة المتنازع عليها.
لم يعد الهم الأميركي الأساسي في لبنان فقط حماية الاحتلال، ولا منع لبنان من تحصيل الثروات الموجودة في مياهه للحفاظ عليه ضعيفاً في مقابل الاحتلال، بل هناك مشروع نهب أميركي مستقل؛ يريدون نهب الغاز بالشراكة مع المحتل، وهذه مصلحة أميركية منفصلة واضافية، ينبغي أخذها بعين الاعتبار.
تتميز هذه المصحلة بأنها لا تتعلق بالمصالح الصهيونية، ولا باللوبي اليهودي، ولا بالوكلاء في لبنان، بل تتعلق بمصلحة أميركية مباشرة، تزداد أهميتها بحسب حجم مخزون الغاز، الذي قد يبقى غامضاً لفترة غير قصيرة، لتخفيف الاهتمام اللبناني والدولي به، ويزداد هنا تعقيد السياسة الأميركية.
بهذا التحول، وبحسب حجمه، أصبح لبنان فريسة جديدة للسياسة الأميركية، وأصبح تحريره من الهيمنة الأميركية موازيًا ومساويًا ومصاحبًا ضروريًا لتحريره من الاحتلال الصهيوني والعدوان التكفيري، ولذلك قد نكون دخلنا في تحول جديد ومواجهة مختلفة كليًا.
الحصار الاقتصادي الشامل المفروض على لبنان والضغوط المتواصلة في المجالات الأمنية والسياسية والعقوبات المختلفة، ومنع الاستثمارات الصينية والروسية في الغاز والكهرباء وغيرها، لم تعد فقط لحماية الاحتلال، إنما لنهب النفط بالشراكة بين هاليبرتون وكيان الاحتلال 50/50.
يقول ماكسويل سيلفرمان، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في جلسة للكونغرس عام 2014: قد يكون القطاع الاقتصادي الواعد على المدى المتوسط إلى الطويل هو صناعة الهيدروكربونات. قد يكون للبنان احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي البحري وربما حتى احتياطات النفط. ويقول أيضًا: ثمة مبلغ محدود من المال يتعين على شركات النفط استثماره.
يحتاجون إلى اليقين أو الثقة في قدرتهم على الاستثمار في استثمار كبير، وليس الاستثمار للقيام باستكشاف أولي، والذي قد لا يكون كثيرًا. ولكن عندما تدخل حقًا وتوقع عقودًا وتمضي قدمًا في الاستغلال، فهذا استثمار هائل.
حتى الآن استثمرت الشركات في عمليات الاستكشاف والتنقيب ما يقارب 200 مليون دولار، وهذا ما يؤشر على مستوى الاحتمالات التي لديها، ومدى توقعاتها فيما يخص حجم المخزون. المخزون الكلي لشرق المتوسط يسد حاجة أوروبا لعشرين عامًا قادمة، بحسب دراسة للجامعة الأميركية في بيروت.
حصة لبنان من هذا المخزون غير مؤكدة. حقل كاريش الواقع في المنطقة المتنازع عليها يحتوي على ما يقارب تريليون قدم مكعب. لكن عمليًا تقوم دولة الحصار بمنع الاستكشاف والتنقيب والاستخراج من كل البلوكات الأخرى، لحين حل الخلاف مع كيان الاحتلال.