تحقيق: قوات الإرهاب وحزب المقاومة

لبس جعجع بزته الفتنوية مجدّدًا، المكوية بدماء شهداء لبنان المقتولين ظلمًا على يديه على مرّ التاريخ، بمختلف الانتماءات الدينية والطائفية، رافعًا بندقيته في وجوهٍ لم تقترف ذنبًا، ساعيًا لتحقيق غايات خارجية أميركية وسعودية قد فشلت في السابق، أكثرها خطورةً إشعال الشارعين المسيحي والشيعي وجهًا لوجه وإسقاط الدماء المحترمة.

يريد رئيس حزب القوات اللبنانية أن يرسم للشارع المسيحي عدوًا وهميًا بالتحريض والتجييش اسمه “العدو الشيعي” الشريك في الوطن أو الشريك المسلم بشكل عام، فخرج ليؤجج المسيحيين مُطلقًا بعض الأكاذيب التي تنافي التاريخ والأحداث التي شهدها لبنان على أيدي حزبه منذ زمن السبعينيات حتى اليوم. وهو لأجل التعمية على جرائمه وجرائم ميليشياه يهاجم حزب الله، وشتان ما بين ميليشياه وحزب الله. فإن أعدنا النظر في تاريخ لبنان ومررنا عبر مراحله المختلفة سنجد اختلافًا واضحًا، بين تعامل هذين الحزبين مع المسيحيين، حيث تظهر مجازر القوات اللبنانية جليّة بحقّ المسيحيين وتهجيرهم وإذلالهم، في مقابل الدعم والحماية والسهر على سلامتهم من قبل حزب الله “المسلم الشيعي”.

فهل يشكّل حزب اللّه حقًّا خطرًا وجوديًّا على مسيحيي لبنان، أم أن الفِعل الوحشي والإرهاب هو حرفة القوات اللبنانية وهي الخطر الفعلي على المسيحيين وكل اللبنانيين؟

تلوّن تاريخ حزب القوات اللبنانية منذ أوائل تأسيسه وحتى اليوم باللون الأحمر نسبةً لكمّ الشهداء الهائل الذين سقطوا على يديه حيث بدأ تدوين أحداث هذا التاريخ منذ السبت الأسود في ٦ كانون الأول ١٩٧٥ ووصل أخيرًا، ونرجو أن يكون آخرًا، إلى مجزرة الطيونة في ١٤ كانون الأول عام ٢٠٢١. إنّها ٣٦ سنة من القتل والظلم والتهجير بحقّ اللبنانيين عامّةً والمسيحيين خاصّةً من قبَل من يدّعي الحفاظ على وجودهم وسلامتهم. وسنتطرق إلى عرض الأحداث كما هي، وكما حصلت منذ ذلك اليوم، وحتّى اليوم علّنا نستطيع إظهار بعض من الحقائق التاريخية التي يسعى الكثيرون لتغييرها بحسب أهوائهم ومصالحهم والمتاجرة بها بشتى السُبُل الأكثر جنيًا للأرباح السياسية والرضى الخارجي.

السبت الأسود في ٦ كانون الأول ١٩٧٥

على أثر العثور على جثث أربعة قتلى في منطقة الفنار قيلَ إنهم من مرافقي بشير الجميل، زعيم حزب الكتائب اللبنانية، سارعت ميليشيات الحزب إلى إطلاق مقاتليها في اتجاه ساحة الشهداء وباب ادريس، قلب بيروت، حيث اختطفوا حوالي ٣٠٠ شخص قتلوا معظمهم وقطّعوا الآخرين على أبواب مقار الحزب. وعمد وقتها مقاتلو الحزب عند حاجز المرفأ إلى إطلاق النار على عمّاله وألقوا جثثهم في البحر. وقد اعتمدوا القتل على الهوية فبلغ عدد الضحايا أكثر من ٤٠٠ شهيد لبناني وسوري ومصري وفلسطيني علاوة على الجثث التي أُلقيت في البحر.

مجزرة الكرنتينا في ١٨ كانون الأول ١٩٧٦

هي مجزرة وقعت في أوائل الحرب الأهلية اللبنانية حيث راح ضحيتها حوالي ١٠٠٠ فلسطيني ولبناني إثر هجوم قامت به ميليشيات الكتائب (التي انفصل أفرادها فيما بعد وأخذوا استقلاليتهم عن المكتب السياسي الكتائبي بعد اغتيال بشير الجميّل عام ١٩٨٢ ليصبحوا القوات اللبنانية)، ونمور الأحرار وحراس الأرز، على منطقة الكرنتينا – المسلخ. كانت المنطقة التي يسكنها حوالي ٣٠ ألف شخص، تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية، وقد حاولت القوى اليمينية في تموز ١٩٧٥ اجتياحها من دون جدوى.

مجزرة تل الزعتر في ١٢ آب ١٩٧٦
فرضت القوات اللبنانية، وحزب الوطنيين الأحرار، حصارًا على المخيم في بداية شهر كانون الثاني عام ١٩٧٦ بهدف التضييق على المقاتلين الفلسطينيين، الذين كانوا، آنذاك، ملتحقين بالثورة الفلسطينية. لكن الكابوس الأكبر، بدأ بعد خمسة أشهر من العام نفسه، حيث شنت القوات اللبنانية هجومًا واسعًا على “تل الزعتر” وتجمعين مجاورين له، هما جسر الباشا والنبعة. وعلى مدى ٥٠ يومًا، أمطرت القوات المخيم بالقذائف والصواريخ، وصلت بحسب ما أشارت مصادر حقوقية، إلى أكثر من ٥٥ ألف قذيفة، سالت بسببها دماء المئات من الفلسطينيين، كبارًا وصغارًا، أطفالًا ونساءً. وتباينت التقديرات حول عدد ضحايا المجزرة؛ ففي حين أشارت بعض المصادر إلى ارتقاء حوالي ٣٠٠٠ شهيد غالبيتهم من المدنيين الذين قتل معظمهم بالتصفيات الجسدية. وبعد ارتكاب المجزرة، باشرت الجرافات بإزالة المخيم، وهام الناجون من الموت على وجوههم يبحثون عن المأمن، وتوزّعوا لاحقًا على مخيمات فلسطينية أخرى في لبنان.

مجزرة إهدن ١٣ حزيران ١٩٧٨
مجزرة إهدن هو الاسم الذي أطلق على الهجوم الذي قامت به القوات اللبنانية على بلدة إهدن والذي أدى إلى مقتل زعيم حزب المردة طوني فرنجية وعدد من أنصاره. جاء الهجوم بعد أن بلغ التوتر ذروته بين المردة وحزب الكتائب حيث كُلّف سمير جعجع بالهجوم على معقل فرنجية الصيفي. تسبب الهجوم في مقتل طوني فرنجية وزوجته فيرا قرداحي وابنته جيهان البالغة من العمر سنتين ونصف السنة وأكثر من ثلاثين من أنصاره.

مجزرة الصفرا في ٧ تموز ١٩٨٠
في يوم ٧ تموز من عام ١٩٨٠، قامت القوات اللبنانية بمجزرة في الصفرا شمال لبنان أودت بحياة ٨٠ مواطن أعزل.

مجزرة صبرا وشاتيلا ١٦ أيلول ١٩٨٢
هي مجزرة نفذت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في ١٦ سبتمبر١٩٨٢ واستمرت لمدة ثلاثة أيام على يد المجموعات اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي العميل والجيش الإسرائيلي. تراوح عدد الشهداء بين ٧٥٠ و٣٥٠٠ قتيل -وفق عدد من التقارير- من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين، أغلبيتهم من الفلسطينيين ومن بينهم لبنانيون أيضًا. قامت القوات اللبنانية بالدخول إلى المخيم وبدأت تنفيذ المجزرة التي هزت العالم وكانت قد استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات قتل سكان المخيم، وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلًا بالقنابل المضيئة، ومنع هروب أي شخص وعزل المخيَّمَيْن عن العالم، وبهذا سهّلت إسرائيل المهمة على القوّات اللبنانية، وأتاحت قتل الفلسطينيين من دون خسارة رصاصة واحدة.

اغتيال الرئيس رشيد كرامي رئيس الوزراء اللبناني السابق في ١ حزيران ١٩٨٧
في ١ يونيو ١٩٨٧ اغتيل رشيد كرامي على إثر تفجير مروحية عسكرية كان يستقلها وهي في طريقها إلى بيروت. وكان كرامي هو الوحيد الذي قُتل في الانفجار. ووردت أنباء عن إصابة وزير الداخلية عبد الله الراسي. اتهم زعيم المليشيا المارونية سمير جعجع عام ١٩٩٤ بارتكاب جريمة الاغتيال هذه. وتمت إدانته، وحكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبد قبل أن يطلق سراحه سنة ٢٠٠٥.

تفجير كنيسة سيدة النجاة في زحلة في ١٥ أيلول ١٩٨٧

اغتيال داني شمعون في ٢١ تشرين الأول ١٩٩٠ مع زوجته وأطفاله
اغتيل في ٢٢ أكتوبر ١٩٩٠ في منزله مع زوجته إنغريد عبد النور وطفليه طارق وجوليان وبقي مدبرو الاغتيال مجهولين، وقد وجه البعض أصابع الاتهام إلى إيلي حبيقة، لكن المجلس العدلي أدان سمير جعجع قائد ميليشيا القوات اللبنانية بقتله.

مجزرة نهر الموت في ١ تشرين الأول ١٩٩٠
أطلقت القوات اللبنانية النار على مظاهرة مؤيدة للعماد ميشال عون في نهر الموت، فقتل ٢٥ وأصيب ٨٢.

تفجير كنيسة سيدة النجاة في منطقة الزوق في ١٧ شباط ١٩٩٤
تفجير كنيسة سيدة النجاة وقع في ٢٧ شباط ١٩٩٤ في الكنيسة المارونية في منطقة زوق مكايل، خلال قداس الأحد.

قتل أمين سر البطريركية المارونية المونسنيور ألبير خريش ورمي جثته في حرش غزير.

محاولة قتل ثلاثة ضباط في الجيش اللبناني هم شامل روكز وفادي داوود وداني خوند الذين سمموا بشكل مميت وكان عليهم السفر إلى خارج لبنان للمعالجة في نيسان ١٩٩٠

قتل رئيس إقليم جبيل الكتائبي غيب خوري بعد ارسال فوزي الراسي في أثره في خلال الليل وزوجته نورا قتلت في المستشفى بعد أن نجت من محاولة الاغتيال

قتل الضابط إميل عازار قائد ثكنة البرجاوي العسكرية في بيروت.

قتل النقيب في الجيش اللبناني انطوان حداد.

اغتيال المواطن خليل فارس في شوارع الاشرفية.

محاولة اغتيال النائب في البرلمان اللبناني نجاح واكيم.

محاولة اغتيال النائب في البرلمان اللبناني ميشال المر.

مجزرة الطيونة الأخيرة في ١٤ تشرين الأول ٢٠٢١ التي أسفرت عن سقوط ٧ شهداء وعشرات الجرحى.

هذا ما اقترفته القوات اللبنانية -مما هو معلوم- على مرّ السنوات في لبنان. إنه الحزب السافك للدماء من دون أي شفقة أو رحمة أو حتى القليل من الحياء، فهم يمارسون فنونهم القتالية جهارًا نهارًا في وضح النهار وفي أكثر الليالي ظلمةً، فلا فرق بينهما. إنها الميليشيا اللبنانية الأكثر خطرًا على اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا، لكن رئيسهم يتحدّث بكل وقاحة عن أحد الأطراف الشيعية في البلد، واصفًا إيّاهم بالجهة الأكثر تهديدًا للسلم الأهلي والاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي للبلد.
يتحدث سمير جعجع عن السلاح غير الشرعي لحزب الله، في حين لا نرى سوى سلاحه مرفوعًا في وجوه اللبنانيين جميعًا.

فهل يمثّل حزب اللّه حقًا، وهو الطرف العسكري الأقوى في البلد، خطرًا وجوديًّا وأمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا على اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا؟ وكيف تصرّف حزب الله مع مسيحيي لبنان في الحروب والأزمات السابقة؟

حمل حزب الله سلاحه منذ اليوم الأول من تأسيسه في الثمانينيات وحتى اليوم على عدوين اثنين لا ثالث لهما في مواجهات مختلفة: العدو الاسرائيلي الغاشم والعدو الداعشي التكفيري حاميًا لبنان باختلاف قاطنيه، مسلمين ومسيحيين، في كامل المناطق اللبنانية من عدو طامعٍ بخيراتنا راغبٍ باحتلال أرضنا وهتك أعراضنا وسفك دمائنا.
خاض حزب الله معاركه لعشرات السنوات في جنوب لبنان في وجه العدو الإسرائيلي الذي احتل الجنوب لمدة ١٨ عامًا منتصرًا في نهاية المطاف، مُجبرًا العدو الإسرائيلي على الانسحاب إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في ٢٥ أيار ٢٠٠٠ تحت تأثير ضربات المقاومة اللبنانية، معيدًا الأسرى إلى ذويهم والأرض إلى أصحابها والبيوت إلى مُلّاكها. لقد أظهر حزب الله حينها خصالًا عظيمة من العيش المشترك واحترام الأديان الأخرى من خلال عدة مواقف، بسيطة بظاهرها لكن عظيمة بباطنها وأثرها وتأثيرها.

لقد بقيت أموال المسيحيين وبيوتهم وممتلكاتهم محفوظة بين يدي حزب الله بعد تحرير الشريط الحدودي، ولم يحصل أي تعدٍّ أو سرقة أو نهب لخيراته. وفي قضاء جزين، وبعد انسحاب العدو الاسرائيلي منها، مُنع مسلحو حزب الله ومناصروه من الدخول إلى القضاء أو حتى رفع أي علم حزبي احترامًا لمشاعر المسيحيين وضمان بقائهم في بلداتهم وذلك بقرار رسمي من قيادة حزب اللّه.

ثم ظهر عدوًّ جديد هو العدو الإرهابي التكفيري في سوريا حيث خاص حزب اللّه ضده معارك طاحنة. انتقل بعدها الصراع إلى داخل لبنان في جرود عرسال، حيث شكل هؤلاء خطرًا حقيقيًّا على اللبنانيين وانقسمت المواقف من هذا العدو بين مؤيد ومعادٍ.
كان حزب القوات يومها من أول المؤيدين للتكفيريين في لبنان حيث رُحب بهم في حين مُنع الجيش اللبناني بعد أسر عدد من جنوده والقوى الأمنية بقرار سياسي من المواجهة والدفاع عن أنفسهم واستعادة أجسام الشهداء بدعم قواتيّ للقرار، فلم يدفع الخطر حينها سوى حزب الله.

لقد سُفكت دماء خيرة الشباب “المسلمين” من “حزب الله الشيعي” من جبيل وكسروان والضاحية الجنوبية ومناطق جبل لبنان والبقاع والجنوب في وجه التكفيري دفاعًا عن اللبنانيين من المسلمين والمسيحيين.
ولقد شهد مسيحيو المناطق السورية في ربلة ودير عطية وبلودان ومعلولا على أمانة مقاتلي حزب الله وحسن تعاملهم وحماية أعراضهم وممتلكاتهم وفقًا لما صرّح به هؤلاء من رهبان وراهبات ورجال دين مسيحيين.
وكذلك في لبنان، تتواجد مقرّات عدة لحزب القوات اللبنانية في مختلف المناطق المسلمة الشيعية كمنطقة بنت جبيل وشرق صيدا ومرجعيون وغيرها من المناطق، لكّن أحدها لم يشهد يومًا أي اعتداء من قِبل أفراد حزب الله أو حتى أهالي المنطقة بل يعيشون جميعهم في أجواء تملؤها المحبة والاحترام.

فهل يؤيّد التاريخ والأحداث كلام جعجع عن حزب الله وممارساته ضد المسيحيين؟
لقد كان سفك دماء المسيحيين وتشريدهم والتنكيل بهم حاضرًا مع كل وجود لحزب القوات اللبنانية، في حين بقي مسيحيو لبنان والمنطقة مكرّمين ومحترمين في كل الأماكن التي حلّ فيها حزب الله بأهله ومقاتليه. إنه مشروع ثابت الأصول والتوجّه، حيث خُلق جعجع بنخاعٍ شوكيّ مليء بالفتن والطائفية ومشاريع سفك الدماء. أمّا حزب الله، حزب المائة ألف مقاتل منتظم -منتظم فقط- فقد خرج بعد سقوط ٧ ضحايا في مجزرة الطيونة، مخاطبًا بلسانٍ فيه من حكمة علي (ع) وصبره ونفسٍ فيها من عنفوان محمّد (ص)، مُطمئنًا مسيحيي لبنان: أنتم أهلنا، نحميكم بأشفار عيوننا كما نحمي فلذات أكبادنا، فنحن قومٌ تقودنا محبة مريم وأخلاق أحمد تمهيدًا لفرجٍ مُشترك تقوده راية عيسى وحفيد ابن بنت محمد(ص).

اساسيالقوات اللبنانيةحزب اللهسمير جعجع