حسام ناصر الدين – خاص الناشر
منذ ان قرر سمير جعجع الالتحاق بصفوف القوات اللبنانية كان يرى في بشير الجميل مثالًا يحتذي به، فذاك الشاب الطامح للوصول الى رئاسة الجمهورية كان على استعداد للتضحية بنفسه وعائلته وطائفته وحتى سمعته في سبيل الحصول على كرسي الرئاسة.
بشير ذاك الفتى المتهور كما كان يعرف عنه كان كارهًا بشدة للفلسطينيين، أما سبب هذا الكره فيعود الى اعتقاله على ايديهم ذات مرة واحتجازهة وضربه، ولم يطلق سراحه الا بعد تدخل مباشر من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
من هنا ولدت العداوة، فكان الفلسطيني الشماعة التي علق عليها بشير الجميل كل آماله من اجل الوصول الى السلطة، ولكن كان امامه عدة عوائق عليه التعامل معها، اولها وجود زعامة مسيحية فاعلة ولها ثقلها ووجودها السياسي والعسكري، بينما بشير لم يكن يملك سوى شعبية بسيطة لا تتجاوز محيطه الضيق، فجمع حوله بعض الشبان الذين يحملون الحقد نفسه تجاه الفلسطينين وأهمهم مجموعة مؤلفة من اثني عشر مقاتلًا كانوا يطلقون على انفسهم اسم “القذرون” وهم مجموعة كانوا على قدر عال من التدريب العسكري، فكانوا النواة لتأسيس ما سيسمى لاحقًا بالقوات اللبنانية.
إلا أن تأسيس هذه القوة غير كافٍ وحده لأجل حصول الشاب الطموح على الزعامة المسيحية، فهو يحتاج الى قضية يقاتل بشبابه من اجلها لتجعل منه المنقذ والمخلص، فاختار القضية الفلسطينية وبدأ بحربه على الفلسطينيين متجاهلًا مظلوميتهم وتهجيرهم ومعاناتهم.
اطلق الشعارات وشن الحملات وقاتل بالشباب المسيحي، فقتل الكثيرون في حرب كان سببها الرئيسي شهوة السلطة.
استطاع بشير ان يبني لنفسه مكانة في المجتمع المسيحي وذلك بمساعدة بعض الاشخاص النافذين في حزب الكتائب اللبنانية. وبفضل خطابه العالي النبرة والتحريضي والعزف على الوتر الطائفي نصب نفسة المحامي والمدافع الاول عن وجود المسيحيين وحمايتهم، وكان عليه التعامل مع وجود آخرين على الساحة المسيحية من قادة احزاب كداني شمعون رئيس حزب الوطنيين الاحرار وطوني سليمان فرنجية رئيس حزب المردة واتيان صقر رئيس حزب حراس الارز وامين الجميل الذي هو بالمناسبة اخو بشير، وقد كانا على خلاف تام، فعمل بشير تحت حجة توحيد البندقيه المسيحية الى إنشاء ذراع عسكرية لجميع الأحزاب المسيحية وأطلق عليها اسم القوات اللبنانية وترأس قيادتها.
كان بشير خلال كل تلك الفترة ينسق خطواته مع العدو الصهيوني والتي بدأها قبله والده بيار الحجميل في العام 1958، تارة عبر السفر الى إسرائيل وتارة عبر اجتماعات يعقدها في منزل جوني عبدو الذي كان مدير المكتب الثاني حينها، حيث كان الإسرائيلي يزور لبنان للتنسيق مع حزب القوات اللبنانية، فكان بشير يتلقى السلاح وكانت عناصره تتلقى التدريب في معسكرات العدو الصهيوني.
كان الوحيد الذي لم يقبل الانضواء تحت إمرة وراية بشير الجميل هو رئيس حزب المردة الذي كان يختلف سياسيا بشكل كبير مع طروحات وافكار بشير، وتنامى الخلاف بينهما حتى قرر بشير الجميل ان يلجأ للاسلوب الدموي الذي مارسه طول مسيرته فأوكل مهمة تصفية طوني فرنجية الى من يشبهه إجرامًا فكان سمير جعجع.
يقول كريم بقردوني في احدى مقابلاته التلفزيونية ان بشير اعلن انه لم يرد ان تجري الامور كما جرت في اهدن، ولكن حين اوكل المهمة الى سمير جعجع كان يعلم ان الامور ستنتهي الى ما انتهت اليه. قُتل في تلك المجزرة طوني فرنجية وزوجته وابنته وثلاثون من رجاله، وادى ذلك الى نشوب حرب بين المردة والقوات اللبنانية، الحرب التي عرفت بحرب المائة يوم وقتل خلالها عدد كبير من المسيحيين
كان بشير الجميل يسير باتحاهين الأول عسكري يهدف الى استمرار التقاتل الداخلي وخوض معارك من جهة وتصفية معارضيه من جهة اخرى والثاني سياسي من خلال التعامل مع الاسرائيلي بغية الوصول الى سدة الرئاسة. وكان كل ذلك على حساب الدم المسيحي، كيف لا ومجزرة الكرنتينا التي قام بها حزبه -حزب الكتائب- ادت الى ردة فعل تسببت بقتل وتهجير اهالي بلدة الدامور المسيحية.
واستمر الحال حتى استطاع تحقيق حلمه بالوصول الى كرسي الرئاسة على متن الدبابة الاسرائيلية وذلك بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان، والذي كان للقوات اللبنانية الدور الابرز فيه من خلال التخطيط والتشاور وتقديم المعلومات والدعم اللوجستي اللازم للجيش الإسرائيلي
خلال تلك الفترة وما رافقها من احداث كان سمير جعجع متأثرًا بفكر بشير، كما استهوته العلاقة مع إسرائيل، فعمل تحت امرتها خلال فترة عمله تحت امرة بشير الجميل، وخاضت الكتائب وسمير جعجع معركة كلية العلوم نيابة عن العدو، وبعد الخضوع لعدة دورات تدريبية في لبنان وإسرائيل استطاع ان يصبح سمير جعجع ذراع بشير التي يبطش بها دون رحمة.
شارك جعجع في الكثير من المعارك والمذابح، فلم تكن مجزرة اهدن هي المجزرة الوحيدة في تاريخه، ولم تكن الأولى، فقد شارك في مجزرة الكرنتينا عام 1976 ومجزرة صبرا وشاتيلا واغتال داني شمعون قائد حزب الاحرار كما اغتال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي، ولا ننسى حربه مع الجيش اللبناني في العام 1990 والتي ادت إلى مقتل المئات من المسيحيين انتهاء بتفجير كنيسة سيدة النجاة في العام 1994، وجرى بعدها اتهام جعجع وإدانته بالتفجير وسُجن حتى العام 2005 ليطلق سراحه بعفو رئاسي.
بعد اغتيال بشير الجميل تولى فؤاد ابي ناضر رئاسة حزب القوات اللبنانية، الا ان سمير جعجع وايلي حبيقة وكريم بقرادوني لم يرق الامر لهم فقادوا انقلابًا بحجة إعادة القوات الى هدفها الصحيح، وكان ان تولى ايلي حبيقة الرئاسة، وما لبث ان انقلب عليه سمير جعجع ليتسلم رئاسة الحزب، وتعود بعدها القوات اللبنانية الى مسارها “الصحيح” من خلال المزيد من القتل والاجرام.
اليوم، وبعد كل هذا التاريخ المليء بالدم والعمالة والتضحية بأرواح الابرياء لاجل أهداف لا تخدم الا صاحبها، يعود المدعو سمير جعجع الى السعي لمحاولة تحقيق احلامه السياسية على حساب دماء المسيحيين من خلال زجهم في اقتتال طائفي مع الشيعة، ولا ننسى تحريضه المستمر من خلال تصريحاته او عبر اعلامه او حتى أعضاء حزبه ونوابه ومعاونيه. وإن كنا قد اعتدنا مواقفه ونبرته المخزية والتي يرفضها اللبنانيون الشرفاء من سنّة وشيعة ومسيحيين الا ان مجزرة الطيونة وضعت الأمور في غير نصاب، فما جرى يعتبر خطيرً جدًا وهو ضرب من الجنون واستعادة لكل التاريخ الاجرامي، فهو يقدم اوراق اعتماده للمال الخليجي والعدو الامريكي والصهيوني كمنفذ لمشاريعهم في لبنان والتي عجزوا عن تنفيذها عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
كان ممكنًا للامور ان تجري بما تشتهي سفن جعجع لولا ان أولياء الدم مدركون لماضي جعجع البغيض وحاضره الخبيث، ولن يسمحوا له بتحقيق مآربه التي بتحقيقها يكون خراب لبنان وإنزال البلاء باللبنانيين عامة والمسيحيين في لبنان خاصة.