مع إعلان حركة أمل وحزب الله قرارهما بتنظيم مظاهرة سلمية نحو قصر العدل للمطالبة بكف اليد عن القضاء، أعلنت قوى سياسية عدّة رفضها وانزعاجها من المظاهرة. وحدها القوات اللبنانية مارست التهديد والتحريض منذ اللحظة الاولى، بدءاً من البيان، وتالياً تصريحات نوابها وقيادييها المعبأ والمحرِّض، وليس انتهاءً بكلمة رئيس العصابة سمير جعجع.
كان يمكن لمن تابع كلمة جعجع قبل يومين أن يفهم رفع سقفه في السياسة فقط، فهذا حق مشروع، الى أن تبيّن مجددًا أنه لا يمكن لجعجع سوى أن يكون زعيم ميليشا، ولن يستطيع ذات مرة أن يكون رئيس حزبٍ سياسي.
ولعل قيادتي امل وحزب الله نسيتا أن ربطة العنق لن تجعل يومًا من زعيم ميليشا رئيس حزب، مهما حصد من الالقاب. وما شهادة الدكتوراه الفخرية التي حصل عليها حين خروجه من السجن الا لخبرته في القتل والغدر. دكتور القتل والغدر.
تزامنًا مع كلمة جعجع، كانت الخلية الارهابية في القوات قد بدأت تنسيق عملية الكمين، بعدما اوكلت القوات المهمة الى مسؤول الامن الخاص لدى جعجع بيار جبور، الذي اتصل بصديقه وشريكه في المهمات الارهابية توفيق معوّض المتواجد في عين الرمانة.
المعلومات تقول إن فحوى الاتصال الذي جرى بينهما يؤكد نيّة بيتتها القوات لقتل أكبر عدد من المتظاهرين، حيث نقل معوّض الى رفاقه القواتيين في عين الرمانة عن لسان جبّور أن “تأهبوا، نهارنا والع”.
لم تنم عين الرمانة ليلتها، تحولت اسطح البنايات الى مراصد ومناظير حراسة، حتى نساء المقاتلين عشن ما تهواهُ نساء المقاتلين من ليالي الحرب.
لم يتحمل بيار جبور المكوث بعيداً عن ساحة التحضير للمعركة، نزل في وقت متأخر من الليل الى عين الرمانة، لاقاه معوّض واستقبله على سطح منزله لا في صالونه كما جرت العادة.
بعد نخب الليلة الذي تناوله مدبرو الكمين، وليطمئن قلب جبور، أجرى جولة واسعة على اسطح البنايات في عين الرمانة لا سيما تلك المطلّة على منطقتي الشياح والطيونة، ثم تفقّد جاهزية المقاتلين، اطمأن إلى معنوياتهم، وجوابهم كان “نار” أو “حديد”. ثم تفقد العتاد المؤلف من رشاشات كلاشنكوف وقناصات وقنابل يدوية وقواذف ار بي جي. الهدف كان واضحاً، مجزرة جماعية لأكبر عددٍ من المتظاهرين رميًا بالرصاص الغادر بالتصويب المباشر على الرؤوس.
ظلّ الترقب سيّد الليلة، بانتظار ساعة الصفر، وما كان وصول المتظاهرين الى دوار الطيونة سوى ساعة الصفر التي اخذ فيها مقاتلو ميليشيا القوات الضوء الاخضر بالقتل.
هي ليلة القوات المجيدة، ليلةٌ ارتاح القواتيون فيها من ثقل اللباس الرسمي وربطات العنق وخطاب الدولة والمؤسسات، ليلة ارتدى فيها القواتيون البدلات الزيتية والجعب العسكرية، وتسلحوا بالسلاح الاحب الى قلب سمير جعجع المليشياوي، سلاح الغدر الذي عرفه اللبنانيون منذ ١٣ تشرين من العام ١٩٨٩. القتل والغدر ليسا طارئين على جعجع، هو من كيانه وكينونته، كرمشة العين وطقطقة الاسنان اثناء الطعام.
أخيرًا، قد يتفهم المرء عدم قبول الاسباب التي نزل على اثرها مناصرو حركة امل وحزب الله الى المظاهرة، لكن، ما لا يتفهمه احد، تبرير الغدر والقتل بحجة عدم قبول الاسباب. ما حصل بالامس كان مجرزة، وعناصرها محددة: قاتلٌ وشهيدٌ مغدور وشاهدُ عدلٍ وشاهدُ زور.