الإرهاب القضائي: البيطار رأس الحربة الأميركية

البيطار رأس الحربة الأميركية. لم يعد الأمر يحتاج إلى تحليل أو إلى تغليب الظنّ على الوقائع. فالوقائع نفسها تشير إلى تورّطه في ما هو أبعد من تسييس الملف، وأعمق من الاستنسابية في التعاطي مع تحقيق قضائي. كلّ المؤشرات تؤكد حقيقة ارتباطه بالأميركيين بشكل مباشر، وبعمله تحت امرتهم في تحقيق ما يريدونه من تعمية على حقيقة انفجار مرفأ بيروت، ومن تحويل الملف إلى أرضية للفتنة الأهلية التي بذلوا كلّ جهد لإشعالها، وخابوا.

لذلك، لم يعد من الممكن التعاطي مع المسألة وكأنها اختلاف في وجهات النظر حول مسار قضائي واضح المعالم، ولا من زاوية اثبات جرم التسييس أو الاستثمار السياسي في الملف. بكل واقعية، لقد تخطى فريق المتأمركين ومن ضمنه القاضي بيطار فعل المتاجرة بدم الذين قُتلوا وجرحوا في الرابع من آب، وبدأوا بالتسويق لدم آخر، السبيل إليه هو الفتنة، وأسلوبه هو الاستهداف السياسي.

وبالتالي، تصبح المواجهة مع عوكر وأدواتها الرخيصة في لبنان، من مختلف الرتب والمناصب والألقاب، في مرحلة مختلفة.
وإن كان لا بدّ من التأكيد على بديهية رفض سيناريو ٢٠٠٥، لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ هذا الرفض ليس موقفًا سياسيًا يأتي في إطار الردّ على الاستهداف السياسي، بل هو أيضًا موقف موضوعي أخلاقي يمكن أن يتخذه أيّ عاقل، وأي متنزّه عن الإتجار بدم الناس وبكراماتهم.

ربما لم يتعلم الأميركيون وصبيانهم بعد أن تكرار تجربة ٢٠٠٥ بكلّ تفاصيلها لن يعود عليهم بنتيجة مختلفة إذا ما كرروا الفعل نفسه الآن. والمحكمة الدولية التي دُفعت تكاليفها من جيوبنا جميعًا خير دليل على فشل المساعي الأميركية في تحويل جريمة كبرى إلى حقل رماية يتم عبره استهداف المقاومة وسائر دوائرها السياسية والاجتماعية، وشعار الحقيقة الذي رفع ودار حمَلته في البلاد يطالبون بالكشف عن القاتل، تبيّن أنّه قطعة القماش التي غطّت وما زالت تغطي المرتكب الحقيقي. وهذا بالضبط ما يحدث الآن، وما يمكن رؤيته بالعين المجرّدة، دونما لجوء إلى تحليل مبني على قواعد نظرية المؤامرة.

في الواقع، يلعب الأميركيون لعبتهم اليوم “عالمكشوف”: لا يخفون ارتباط صبيانهم بهم، يغفلون التفاصيل القانونية التي تفضح ارتكابات هؤلاء الصبيان، يجاهرون بحماية “زلمتهم” في القضاء عبر بيان “كونغرسي”، وتتولى سفيرتهم متابعة التفاصيل عن كثب دون أي إجراء يخفي ذلك، ولو على سبيل احترام العقول.

يفعل الأميركي عبر بيطاره اليوم كلّ ذلك، محوّلًا إياه إلى رأس الحربة في المواجهة، ويستخدمه كمخرز يعتقد أن لا عين ستقاومه، أو ستنجح في كسره إذا قاومت، متناسيًا أن في لبنان عينًا كسرت مخرز الاحتلال الصهيوني، ومخرز الإرهاب والتكفير، وبدأت في تفتيت مفاعيل مخرز الحصار والإرهاب الاقتصادي، ومتجاهلًا أنّ هذه العين لن تتوانى عن مقاومة المخرز القضائي إذا ما استخدمه الأميركي ضد المقاومة.

سيقول قائل إنّ البيطار الأميركي لم يقم باستدعاء أي من نواب أو وزراء حزب الله، وبالتالي ليس من المنطق أن يقوم حزب الله برفض هذه الاستنسابية. المتحدثون بهذا المنطق يجهلون تمامًا الكيفية التي يتعاطى بها حزب الله مع الشأن السياسي في لبنان، ويجهلون أن مقياس الأمور لدى الحزب ليس مقياسًا شخصيًا. ونعتمد هنا احتمال جهلهم بهذه التفاصيل كي لا نقول إنّهم يرتكبون فعل التغابي واستغباء الناس.

دائرة الاستهداف واضحة المعالم لكلّ من به نظر، وبنك الأهداف الأميركية واضح بوضوح الأدوات البشرية المستخدمة فيه. ومن بين هذه الأدوات قاض ضرب كل القوانين والإجراءات الطبيعية، بغية تحقيق ما كُلّف به، ولو على حساب السقوط أخلاقيًا ومهنيًا وتحمّل عار المساهمة الحثيثة في إخفاء معالم الحقيقة حول الانفجار وأسبابه والمتورطين فيه، بل تحمّل جريمة الفتنة المجهزة تفاصيلها في أروقة الولايات المتحدة الأميركية.

إنّنا نواجه اليوم نوعًا جديدًا من الإرهاب هو الإرهاب القضائي، وهو إرهاب واضح المعالم والوسائل، مباشر ومتعجّل، تمامًا كمذكرات التوقيف الظالمة التي سُطرت كبيان أوّل لفتنة إذا اشتعلت سيكون من العسير إخمادها أو التحكّم في مسارها.

اليوم، كلّ عقل حرّ، كلّ قلب حريص، كلّ متضرّر مما حدث في الرابع من آب مدعوّ إلى وقفة مع الوقائع، إلى وقفة مع الضمير، مع الحقيقة، الحقيقة المخفية في أدراج القضاء البيطاري، لغاية ستُكشف يومًا.

القاضي بيطارالولايات المتحدةحزب اللهلبنانهام