حين كان ارهابيو إدلب يستشعرون قرب هزيمتهم، كنا نرى صفحات جمهورهم وزملائهم الافتراضيين ترفع شعار “أنقذوا أطفال إدلب”، وكان الإعلام الإرهابي يجتهد بنقل صرخة القتَلة بتحويلها إلى مسألة “إنسانية” أبطالها أطفال وهميون، وبذلك، نجح هذا الإعلام في تجييش رأي عام عالمي يتعاطف مع الإرهاب حين سُمّي “أطفالًا”.
صحيح أن الكذبة لم تنطلِ على المشاهدين، وأنّه سرعان ما انكشفت حقيقة هؤلاء “الأطفال” الذين يطالب الجمهور المُستغبى أو الميّال للإرهاب أو الداعم له بإنقاذهم، إلّا أنّ الأسلوب بقي حاضرًا كي يعاد استخدامه في كلّ مرة يُحاصَر فيها الإرهاب.
وإذا كان الإرهاب الاقتصادي يضعنا اليوم على مقربة من العتمة الشاملة، فهو محاصَر في مواجهة مشروع معامل الكهرباء المدرجة في العرض الإيراني. ولأنّه محاصَر ويحتاج غوثًا من رأي عام، محليّ ودوليّ، استنجد بشعار جذّاب ولطيف: البيئة؛ معامل الكهرباء ستضرّ بالبيئة.
وهكذا، يصبح بإمكان الإرهابيين الاقتصاديين، وجمهورهم المستغبى والمضلّل والداعم للإرهاب، علم بذلك أم لم يعلم، أن يطوف باكيًا على البيئة والمساحات الخضراء، عسى يجد رأيًا عامًا يكفكف دمعه وينقذه من خطر زواله إذا ما نُفذت مشاريع المعامل المولّدة للكهرباء في لبنان.
في الجوهر، هو السيناريو نفسه يتكرّر، وكلّ اختلاف في الشكل يرتبط حكمًا باختلاف ميدان الحرب، ولكلّ حرب أدواتها، وشعاراتها، وسيناريوهات الاستغاثة المقترنة بالكلمات ذات الطابع الأبيض اللمّاع، من “أنقذوا الأطفال” إلى “أنقذوا البيئة”، الإرهاب واحد، والكذبة واحدة.
إذًا، المتباكون على المساحات الخضراء في نادي الغولف ليسوا على هذا المقدار من الحرص على بيئة معافاة، ومساحات خضراء في غابات الباطون، والتوازن الأخضر وغيره، ولا سيّما إذا عرفنا أنّ حرصهم على البيئة يأتي دائمًا مرتبطًا بالمصلحة: فبيئة بسري أولوية إن كان السدّ سيغذي الضاحية ولا يعود بمنفعة خاصة على تجار الشعارات والدم، أما بيئة سبلين فلا بأس بدمارها طالما أن المستفيد من تحطيمها هو بيك الجبل، على سبيل المثال وليس الحصر طبعًا، فلكلّ بيك في لبنان مصلحة لأجلها لا بأس بتدمير البيئة، حتى البشرية منها، ولكلّ منهم شعارٌ جاهز يتعلّق بالحرص على البيئة إذا شعر البيك أن ثمة مشروعًا ليس له فيه مصلحة.
بالعودة إلى البيئة، مما لا شك فيه أنّ المساحات الخضراء هي متنفس للمدن. والمقصود بالمساحات الخضراء ليس طبعًا العشب الصناعي، ولا العشب المشذّب ولا الباطون الملوّن بالأخضر، بل المساحات المشجّرة والمزروعة التي تؤمن التوازن البيئي وتكفل عملية تنقية الهواء وتماسك التربة طبيعيًا في البيئة المدنية الملوثة، لذلك ينبغي أن يعلم المدافعون عن “المساحات الخضراء” أن لون المساحة ليس المعيار لوصفها بمساحة تحفظ البيئة وتوازنها. وبناء عليه، لا يمكن اعتبار أرض “نادي الغولف” مساحة تكفل التوازن البيئي أبدًا وإن كان لها دور في أي نقاش حول البيئة فهو في كونها خالية من الأبنية المتراصة حال معظم المدينة، وبذلك تكون عنصرًا يخفّف من الضغط الباطوني ليس أكثر.
من ناحية أخرى، وفي كلّ تنظيم مدني، الأولويات هي التي تحدّد كيفية وشكل استثمار المساحات. ويمكن هنا أن نعطي مثالًا تشبيهيًا حول كيفية تحديد الأولويات بوجود قائمة من الحاجات الضرورية.
لنتخيّل أن ثمّة شخصًا وقع في الماء وبدأ يغرق. الأولوية تكون حكمًا بإخراجه من الماء فورًا، قبل قياس نسبة التلوث في الماء ونوعية الجراثيم التي قد يكون ابتلعها، وقبل البحث في سبل استخدام آليات يضر تشغيلها بالبيئة. الأولوية هي انقاذ الغريق، وبعدها البحث في معالجته من الجراثيم التي ابتلعها وفي تنقية المياه من الملوثات الموجودة فيها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى معامل الكهرباء. الغرق في العتمة يحتّم أولوية البحث عن سبل توليد الكهرباء، ثمّ تأتي بعدها الوسائل التي تقلّل التلوث وتحصر قدر الإمكان الضرر الذي قد يحدث للبيئة.
المفارقة أنّهم يعلمون ذلك جيّدًا، تمامًا كما كانوا يعلمون أنّ إرهابيي ادلب ليسوا أطفالًا تحت الخطر، ويعلمون أن كذبة شعاراتهم البيئية واهية وركيكة، تمامًا كما فيديوهات “القبعات البيض” في سوريا، ويعلمون أنّ كلّ جهدهم هو لدعم وحماية الإرهاب الاقتصادي، ويعلمون أيضًا أنّنا نعلم.