كل المعطيات تشير إلى أن الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري، كان يعتقد أن الرئيس نجيب ميقاتي لن يشكّل الحكومة، لا بل كان واثقاً في رهاناته أمام عدد من المقربين، بينهم صحافيون نقلوا ذلك عن لسانه، حتى أن المعلومات تؤكد أنه هو من كان وراء بيانات التصعيد التي كانت تسعى للتشويش على التشكيل بين فترة وأخرى عبر الهجوم على رئاسة الجمهورية متحدثةً باسم نادي الحكومات السابقين. وكان الجميع يسأل: ما موقف ميقاتي من ذلك التصعيد؟ إلى أن أثبت تأليف الحكومة أن التنسيق بين الرئيسين عون وميقاتي كان أصلب من أن توقعه البيانات المفخخة.
تشكلت الحكومة، فأضاف الحريري إلى سجله جولة جديدة من الجولات السياسية الخاسرة، التي بدأت بالنسبة للبعض منذ التسوية الرئاسية، وللبعض الآخر، لا سيما في فريق الثامن من آذار، منذ استقالته عقب أحداث السابع من تشرين تحت ضغوطٍ دولية.
وإذا كانت الاستقالة يومها مؤشراً على سياسة جديدة سيتبعها الحريري، لم يفهم معنيون في التواصل معه حينها نيّة الحريري في التعاطي مع مرحلة ما بعد الاستقالة، فهو الذي رفض التكليف مجددًا رغم ما قدم له من “لبن العصفور”، وهو الذي ساهم مرارًا في تزكية اسماءٍ للتكليف قبل أن يساهم هو نفسه في حرقها، بينها اسم الوزير السابق رشيد درباس، وهو نفسه الذي وافق على اسم حسّان دياب دون أن يسميه في الاستشارات النيابية الملزمة، ثم عاد وخاصم الرجل إلى حدٍ بعيد، وهو نفسه الذي عاد ووقف الى جانبه عقب قرار الملاحقة الصادر بحق دياب في قضية مرفأ بيروت.
وعلى الضفة الأخرى، كانت علاقة الحريري برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أفضل مما كان يعتقد البعض، لا سيّما داخل الجلسات الحكومية قبل استقالة السابع من تشرين. كان التنسيق يومها عالياً بين الرجلين، حتى أن المواقف الحادّة التي تعرّض لها سعد الحريري من القوات والاشتراكي، كان سببها ميل ابن رفيق الحريري لباسيل.
حتى في الاختلاف، كان يتفق الطرفان على إدارته بعيدًا عن الاعلام، لكن، سرعان ما تبدّد كل شيء بعد الاستقالة، فرفع الحريري السقف وتخطى كل الخطوط الحمر، لا سيّما في أول ذكرى لاغتيال والده، التي قرّر إقامتها في منزله، مستقبلًا الوفود الشعبية قبل الرسمية، يومها أراد الحريري أن يلم الشمل مع ناسه الذين اعتبروا أن التسوية الرئاسية لا تشبههم، وكان الشيخ سعد يدرك ذلك جيدًا، فدعاهم إلى داره وأسمعهم ما شاؤوا أن يسمعوه من كلام حاد بحق الوزير باسيل. الكل يومها التفت إلى أن ما تلقاه باسيل كان أكبر بكثير مما أسمعه الحريري حزب الله -الخصم المفترض- إلا أن الجميع أيضاً كان يعلم أن الحريري في ربطِ نزاعٍ حالي مع الحزب.
باسيل وبرغم الخطاب الدسم للحريري، لم يكن فظًا في ردّه، ولم يستعمل مصطلحات الحريري، ولا أسلوبه، بل اكتفى بتغريدة يومها قال فيها: “شو ما أنت عملت وقلت ما رح تقدر تطالني وكيف ما أنا كنت ما رح اقبل كون متلك… بتفرّقنا بعض القيم والمبادئ، بس رح يرجع يجمعنا التفاهم الوطني”، وأردف باسيل في تغريدة إضافية قائلًا: “رحت بعيد بس رح ترجع، الفرق إنو طريق الرجعة رح تكون أطول وأصعب عليك”.
كان رهان الحريري يومها أن الخصومة مع باسيل كفيلة بشدّ عصب جمهوره، دون أن يحسب الأمر جيدًا، استقال دياب، وعاد تكليف الحريري إلى الواجهة من جديد، حينها اعتقد سعد الحريري أن عون وباسيل يحتاجانه في هذه المرحلة، وسيقدمان له التنازلات مرغمين، لكن الرياح لم تأتِ كما تمنى الحريري، فهو لم يتمكن من أن يكسب تنازلات الرئيس وصهره، ولم يتمكن من طرق باب المملكة العربية السعودية، التي بيّنت مع الوقت أن مشكلتها مع الحريري كانت أبعد من مشكلتها مع لبنان!
حاول الشيخ سعد أن يأسر التكليف 9 أشهر، لعل تغيّرًا ما يطرأ على مجريات الأحداث، داخليًا أم وخارجيًا، الاثنتان لم تسعفاه. صمد الرجل 9 أشهر ظناً منه أنه يمكن أن يصمد أكثر لغاية الانتخابات النيابية، فيستغل عدم تمكنه من التشكيل في شدّ عصب ناخبيه، راميًا باللوم على عون – باسيل، فيبرّر في ذلك فشله في المرحلة التي سبقت… فشل الرجل مجدداً!
آخر المحاولات هو ما يسرّه النائب سعد الحريري لدائرة من حوله، لفريق عمله في مرحلة التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، التي تشكل رولا الطبش أحد أعمدتها! تخيلوا! من نادر الحريري إلى رولا الطبش، وكأن الرجل يؤمّن كل متطلبات فشله.
كان الحريري مع فريقه يستعدون لمرحلة اعتذار الرئيس ميقاتي عن التشكيل، وضع سعد آماله كلها على الاعتذار، فهو شاهدٌ مجانيّ على سوء تعاطي الرئيس عون وكيد الوزير باسيل اللذين لم يقتصرا على الحريري، بل على أي مرشحٍ سُنّي لرئاسة الحكومة، وكأن الحريري كان يستعد لأن يقول للناس:”شفتوا!”.. فريقه كله كان يعدّ العدّة لهذه اللحظة! لكنه فشل مجدداً.
أشهر قليلة تفصل منزل آل الحريري عن المستقبل السياسي، المعطيات تشير إلى أن وضع الرجل ليس سهلًا، فهو فضلًا عن أنه فشل في تحميل خصمه البرتقالي ضياع فرصة الإنقاذ، فقد خسر الفرصة أيضاً، وانتقلت إلى رجلٍ محنّك وصفته المصادر بأنه “رجل المرحلة. ففي حال تمكّن ميقاتي من إنجاز مهمّة الإنقاذ قبل الانتخابات الأخيرة، وفي حال قرّر أيضاً خوض الانتخابات عبر لوائح في طرابلس وبيروت، فإن فشل الحريري المتراكم سيؤدي إلى إغلاق المنزل السياسي لآل الحريري. الجواب ستقدّمه الرياض في المرحلة اللاحقة، قبل أن تترجمه صناديق الاقتراع في آذار المقبل.